30 سبتمبر 2018
تونس وصراع الحريات
بعد زوال غبار ثورة 14 يناير وهروب الدكتاتور والذي كان يتمتع بإيجابية واحدة تبدو مضحكة قليلاً وهي أنه كان شخصية جامعة! نعم ذلك الدكتاتور العظيم، كان جامعاً بين جميع معارضيه اليميني واليساري النقابي والقومي إلى غير ذلك..
شارع الحبيب بورقيبة الشارع ذو الرمزية التاريخية في الثورة التونسية قد حمل واحتضن الجميع ضد شخص ونظام واحد جميهم دون استثناء، العجيب في الموضوع تحول الواقع مع أول احتفالية بذكرى الثورة الأولى إلى تشتت وكثير من الفرق والأحزاب كلٌّ يرفع علم حزبه وقومه، نعود بالتذكير بإيجابية الدكتاتور مرة أخرى في نفس السياق فهل وجب علينا القول: "ألا ليت الدكتاتور يعود يوماً" ليعاود تجميع شتاته ومعارضيه؟
تلك الفترة كانت بمثابة البيئة الخصبة التي مهدت للصراعات الإيديولوجية العديدة وساعد ذلك المناخ الملائم الحرية المكتسبة حديثاً، فمع انتخاب المجلس التأسيسي للجمهورية الثانية بدأ الانقسام الفكري لوضع أسس الدولة ورسم معالمها وقوانينها وبدأت الأصوات المتدينة بالتعالي لتطبيق الشريعة الإسلامية وانقسم الشعب بين مؤيد ومعارض وبالغ البعض بتوصيف الحالة بين كفار ومؤمنين! كيف ذلك والرافض للشريعة هو رافض لحكم الله حسب تعبير قائلها!
تبدو المقولة منطقية بعض الشيء وعاطفية كثيراً منه خاصة أنها موجهة لشعب ذي غالبية مسلمة، هذا الصراع في الحقيقة ليس جديداً على التشاريع التونسية حيث وبالرجوع إلى ما بعد الاستقلال نجد صراعاً مماثلاً بين الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة والذي يعتبر باني تونس الحديثة وعلماء الزيتونة من أكبر منارات شمال أفريقيا الإسلامية وقد نشأ هذا الخلاف أساسا مع سن قوانين مجلة الأحوال الشخصية سنة ،1956 والتي اعتبرت قفزة تقدمية في المنطقة ككل، والذي كان جوهرها المساواة بين الرجل والمرأة؛ وأهم ما جاء فيها منع تعدد الزوجات وغيرها من القوانين المثيرة للجدل الغريبة على مجتمع محافظ متدين.
من مميزات التجربة التونسية خلوها من النعرات الطائفية والدينية ولعلها مصادفة تاريخية مفيدة وفرت على تونس كثيراً من الدماء، فالشعب التونسي في غالبه يدين بالإسلام السني بالتحديد. لكن ذلك لم يكن كافياً للتوافق والإجماع التام بين مكونات المجتمع التونسي وهذا ما خلق صراعاً أكثر دقة فيما بعد.
سنة 2014، زف المجلس الوطني التأسيسي للعالم دستوراً مشرقاً حيث اعتبر مفخرة لكل أرجاء المنطقة لما حمله من ضمان للحريات بكل تفاصيلها وتجسيداً للدولة المدنية الديمقراطية، ومما أثار الجدل آنذاك ما جاء في الفصل السادس منه وتحديداً مصطلح "حرية الضمير" وحرية المعتقد والذي رآه البعض مصطلحاً جديداً وفضفاضاً بعض الشيء، وخاصة في التطبيق وما أدراك ما التطبيق فما فائدة تلك الدساتير النيرة والقوانين الساطعة إن كانت ستبقى حبراً على ورق فحرية الضمير عند أحدهم هي ذاتها تعدّ على معتقدات شخص آخر وهذا أصل المصيبة!
إذاً ما معنى حرية الضمير التي قصدها المشرع؟ وهل تغافل المشرع عن الخلاف الذي ممكن أن يحصل فيما بعد وأسقط ذلك المصطلح لكي يقال أننا بلد حريات فحسب؟ كل ذلك المناخ قد أفرز شقين بارزين الأول هم المدافعون عن الحريات التي كانت تخلو من كل شروط أو توقيت أما الثاني فهم المحافظون على التراث والهوية والدين..
كثيرة هي القضايا التي طرحت على طاولة التشريع في السنوات الأخيرة كان أهمها المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة والذي طرحه الرئيس الباجي قائد السبسي في خطابه بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2017 بمناسبة عيد المرأة مشكلا لجنة للدفاع عن الحريات الفردية برئاسة البرلمانية بشرى بلحاج حميدة، حيث أصدرت هذه اللجنة تقريرها مقدمة أياه لرئيس الجمهورية في 8 يونيو/ حزيران 2018 والذي تضمن عديد النقاط كان أبرزها إلغاء عقوبة الإعدام وإلغاء تجريم المثلية الجنسية وإلغاء التمييز في الميراث وغير ذلك من النقاط المعززة للمساوة بين الرجل والمرأة، ومن البديهي أن يؤزم هذا التقرير الخلاف التاريخي بين المحافظين والحداثيين حيث وفي ذكرى عيد المرأة 13 أغسطس/ آب 2018 أي بعد عام من طرح الفكرة نظمت عدة منظمات وجمعيات وقفة مساندة للتقرير أمام المسرح البلدي في العاصمة تونس وقبلها بيومين سبقتها وقفة مناهضة للتقرير قادتها قوى محافظة وصفت التقرير بتقرير الفتنة لينقسم الشارع!
ليبقى التساؤل الأخير من سينتصر في النهاية؟!