تونس: وزراء بن علي خشوا "النهضة" فاستدعوا انقلاباً عسكرياً

07 نوفمبر 2015
من احتفالات الذكرى الرابعة للثورة في تونس (ياسين جيدي/الأناضول)
+ الخط -

فجّر رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، الجنرال رشيد عمّار، يوم الخميس، قنبلة إعلامية، حين أعلن أنّه طُلب من الجيش التونسي تسلم السلطة يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011، خوفاً من أن تفوز حركة "النهضة" بالسلطة، وهو ما أكّده قيادي بارز في الحركة لـ"العربي الجديد".

اقرأ أيضاً: خصوصية الجيش التونسي

وقال عمار في مداخلة هاتفية في برنامج  تلفزيوني تعقيباً على حديث سابق حول ما جرى إبان الثورة التونسية، إنّ كل المجموعة التي كانت موجودة في وزارة الداخلية ليلة 14 يناير/كانون الثاني، والمكوّنة من وزراء الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهم رئيس الوزراء محمد الغنوشي، ووزير الداخلية أحمد فريعة، ووزير الدفاع الوطني رضا قريرة، طلبوا منه ذلك.

غير أن عمار لفت الى أنه رفض هذا الطلب، لأنه أراد أن تكون تونس دولة ديمقراطية على غرار الدول التي تتمع بالحرية وحقوق الإنسان، على حدّ قوله.

لكن وزير الداخلية أحمد فريعة (الذي تم تعيينه بعد انطلاق الاحتجاجات)، نفى أن يكون طُلب من الجنرال عمار تسلم السلطة، مؤكّداً أن تلك الليلة شهدت اجتماع كل من وزير الدفاع والكوادر العليا للداخلية إضافة إليه، لمناقشة كيفية الانتقال من الفصل 56 إلى الفصل 57 حتى يضمن استمرارية الدولة بعد خروج  الرئيس المخلوع بن علي، وكيفية تأمين الضروريات الحياتية للشعب التونسي، نافياً الحديث عن انقلاب عسكري خصوصاً خلال فترة حضوره في ذلك الاجتماع. وأكّد أنّ المجتمعين قاموا بإقناع فؤاد المبزّع بتسلم الرئاسة.

وهو ما أكّده، بدوره، محمد الغنوشي، إذ قال في تصريح صحافي إنه لم يستدع مطلقاً الجيش لتسلّم السلطة، ولم يطلب أحد من الجنرال رشيد عمّار أن يتولى الجيش السلطة، قبل أن تمسك بها حركة "النهضة"، متسائلاً عن الخلفيات التي دفعت بعمّار إلى تقديم معلومات خاطئة، بحسب قوله.

تأتي مداخلة عمار لتؤكد من ناحية عقيدة الجيش التونسي التي ترفض الخوض والتدخل  في المسائل السياسية والمدنية، وهو ما تبين إبان الثورة التونسية أو بعد اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، على الرغم من ارتفاع العديد من الأصوات التي تطالب بتدخل الجيش خلال هذه الهزات.

وقد عرفت تونس أزمة كبيرة بعد اغتيال البراهمي، أدّت الى إقالة حكومة ترويكا والدخول في حوار وطني، حدّد خارطة طريق للوصول الى انتخابات حرّة، غير أنّها ترافقت مع مخاوف كبيرة من تكرار السيناريو المصري في تونس، إذ كانت قوى سياسية كثيرة تطالب بتدخل الجيش وتسلّمه السلطة، غير أنّ الجيش التونسي، الذي رفض إبّان الثورة الدفاع عن النظام السابق، رفض كذلك الدخول على خط الأزمة واكتفى بمهامه الأساسية في حماية الحدود والمنشآت الحيوية في البلاد.

غير أنّ اللافت في تصريح رشيد عمّار هو ما عبّر عنه وزراء بن علي في حينه، من تخوّفهم من إمكانية انقضاض حركة "النهضة" على الحكم، على الرغم من أنّ عدداً من قادتها وكوادرها كانوا إمّا في المنفى أو في السجون، خصوصاً زعيمها راشد الغنوشي.

وفي هذا السياق، قال القيادي البارز في حركة "النهضة" النائب عبد اللطيف المكي، الذي شغل منصب وزير الصحة في حكومة حمادي الجبالي، لـ"العربي الجديد"، إن نظام بن علي كان بالفعل متخوّفاً من "النهضة"، وإنّه تم إلقاء القبض على بعض قياداتها خلال أيام الثورة، ومن بينهم أحمد العماري، الذي ظل معتقلاً الى ما بعد الثورة. وأضاف أن أسئلة الشرطة كانت تدور حول مساهمة "النهضة" والإسلاميين في التظاهرات والحركات الاحتجاجية، التي شهدتها مختلف مدن البلاد، وحاولت الشرطة أن تستقصي ما اذا كانت "النهضة" كتنظيم لها أهداف معينة من خلال هذا الحراك الاجتماعي.

ولفت المكي الى أنّ ما أثاره وزراء بن علي من تخوفات إزاء "النهضة" يمكن أن يكون مفهوماً، فتقاريرهم كانت تؤكد أن التنظيم كان بصدد استعادة عافيته منذ سنوات. وأشار إلى أنه منذ إطلاق سراحه في عام 2001 لم ينقطع الأمن التونسي عن استدعائه في كل مرة، مع عدد من قادة الحركة الآخرين مثل علي العريض والصحبي عتيق والعجمي الوريمي، وذلك لأن الحركة بدأت تستعيد تنظيمها الداخلي شيئاً فشيئاً، على حدّ تعبيره، وأنشأت مجلس شورى أطلقت عليه خوفاً من التتبع اسم "الندوة"، إضافة إلى مكتب تنفيذ تحت مسمى آخر.

وأوضح مكي أنه بعدما انطلق عمل الحركة اجتماعياً وحقوقياً، بدأ يتحوّل تدريجياً الى العمل السياسي، وتم وضع هيئات في داخل الجهات التونسية، ما مكّنهم من  المساهمة في تنظيم إضراب عن الطعام، ضمّ عدداً من الوجوه من مختلف التيارات السياسية في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 جمع الإسلاميين واليساريين والوسطيين في حراك موحد أدى الى ولادة تنظيم يحمل نفس التاريخ.

وقال المكي إن جرأتهم السياسية بلغت حدّ مطالبة قيادة الخارج بعدم عقد مؤتمر الحركة خارج البلاد بل تنظيمه في الداخل، في عام 2009،  وإن قدرة الحركة التنظيمية هيأتها لإقرار أن تكون المسائل السياسية منوطة بقادة الداخل. وأكّد أنّ النظام كان يتهاوى ويضعف ولم يكن قادراً على فتح جبهة سياسية جديدة مع الإسلاميين في ظل مشاكله المتراكمة، مضيفاً أنه بداية من عام 2006، شرعت الحركة في نقل المؤسسات والقيادات إلى الداخل، غير أنّ المؤتمر لم ينعقد لأن الاحتجاجات انطلقت في البلاد ثم جاءت الثورة لينعقد المؤتمر 12 بعدها، وكان التنسيق يتم عبر الشخصيات التي كانت تملك جوازات سفر.

وبخصوص الأيام التي سبقت وتلت مباشرة 14 يناير/كانون الثاني 2011، قال المكي إن تقارير الأمن كانت تعرف أن بعض الإسلاميين من حركة "النهضة" يشاركون في الاحتجاجات التي شهدتها المدن التونسية، غير أن "النهضة" كانت حريصة على أن تكون مشاركتها منظمة ودقيقة، بحيث لا يستغلها النظام لوأد الثورة بحجة أن الإسلاميين هم الذين يؤججونها، ويحول وجهتها من اجتماعية وحقوقية مشروعة الى سياسية بغاية ضربها، على حدّ قوله.

وأوضح المكي أن بن علي نفسه كان متخوفاً من "النهضة" أيام الثورة، وهو ما أكّده المازري الحداد الذي أراد أن يستقيل من منصبه كسفير في منظمة اليونسكو، ولكن بن علي طلب منه ألا يستقيل كي لا يسهم ذلك في وصول "النهضة" إلى الحكم.

ولفت المكي إلى أنه لعب دور الوسيط في لقاء جمع قيادات الجيش مع زعيم الحركة راشد الغنوشي، وأكد الجيش للغنوشي أنه ليس ضدّ "النهضة"، وأنّه يقف على نفس المسافة من الجميع، وأنّ مهمته الأساسية هي حماية الدولة، وأنّ الشعب هو الذي يقرر من يحكم البلاد.

وخلص الى القول إن "النهضة" تثمّن موقف الجيش كمؤسسة وطنية تحمي البلاد، وهذا موقف وطني، ولكنه يستند أيضاً إلى سلوك الجيش التونسيّ.

اقرأ أيضاً: نوبل السلام لـ"التجربة التونسية"