حالة من الحيرة العامة والأسئلة المتواترة تشغل المشهد السياسي التونسي، بعد خطاب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي أعلن فيه الحرب على حافظ قائد السبسي ورغبته الواضحة في التموضع من جديد داخل حزبه، ومن خلال طموحه في تجميع ما يسميه بالعائلة الديمقراطية ومشروعه الوطني. لكن أهم الأسئلة تتعلق بالتوافق الذي حكم تونس طيلة أربع سنوات، بين الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وإن كان قد انتهى فعلياً، بما يعني انقلاب المشهد نهائياً والتأشير على بعثرة كل الأوراق وإعادة توزيعها بالكامل.
وأجمعت شخصيات حزبية مؤثرة ومراقبون مطلعون على تطور الأحداث في تونس، التقتهم "العربي الجديد"، على دخول البلاد في مرحلة جديدة لا أحد يتوقع نتائجها، مع مخاوف حقيقية من إمكانية تدهورها، بما يمكن أن يؤثر على بقية المسار الهش الذي ينتظر التونسيين لغاية انتخابات 2019، التاريخ السحري الذي ألهب كل الرغبات وأشعل طموحات الحالمين بدور فيه، من دون اعتبار للخسائر التي يمكن أن تنتج عن ارتفاع الرهانات. ويتساءل كثيرون إن كان العقد الذي جمع الشيخين، السبسي الأب والغنوشي، طيلة هذه السنوات، قد انفرط نهائياً. فرئيس الحكومة يوسف الشاهد لم يعلن الحرب على حافظ قائد السبسي وحده، وإنما على كل عائلة السبسي التي جاءت به إلى الحكم، وحركة النهضة انخرطت علناً في دعمه بما يعني وقوفها آلياً ضد آل السبسي وضد اتحاد الشغل وكل الطيف السياسي والاجتماعي الذي يرغب في إبعاده.
لكن اللافت في موقف الحركة من صراع أجنحة "النداء"، رغم إعلانها عدم التدخل، أنها وجدت نفسها في موقع المتحالف مع الشاهد ضد حافظ قائد السبسي، وضد والده ربما، مع أنها كانت تدعم السبسي الابن منذ سنوات، وتساند التقارب مع التيار الذي يمثله، ومنهم من ذهب حتى إلى التنظير تاريخياً للتقارب بين الدستوريين والإسلاميين. فما الذي حدث حتى يتغير موقف الغنوشي والنهضة من كل هذا؟ وهل ستجد الحركة في دعمها للشاهد ما يمكن أن يضاف إلى رصيدها القريب والمتوسط؟ وهل يكون الشاهد، الراغب في تجميع العائلة الديمقراطية (لمنافسة "النهضة" بالضرورة)، عنوان التحالف الجديد في أفق 2019؟ هذه الحسابات بنظر البعض تعتبر قصيرة المدى وهشة جداً ولا ترقى إلى مستوى رسم استراتيجية بقاء وتطور عميق، لأنها تهدد الاستقرار الذي تدافع عنه حركة النهضة بشراسة طيلة هذه السنوات. فمجرد فرضية انسحاب وزراء "نداء تونس" ووزراء تدعمهم نقابة الشغل ومنظمات وأحزاب أخرى، وتعطيل الحكومة، حتى إذا بقيت، قد يحدث فراغاً يهدد هذا الاستقرار من ناحية ويفرض على حركة النهضة والشاهد أن يتحملا أعباء الحكم في ظروف صعبة للغاية يعرف الجميع كل معطياتها.
وحزب نداء تونس، أو "نداء" حافظ قائد السبسي، اعتبر، في بيان إثر تعليق العمل بوثيقة قرطاج، أن الحكومة الحالية التي تمخضت عن اتفاق قرطاج 1 كمرجعية سياسية جامعة، قد تحولت إلى عنوان أزمة سياسية أفقدتها صفتها كحكومة وحدة وطنية، رافضاً "تلقي أي دروس من أي كان في الحرص على المصلحة الوطنية واستقرار البلاد، ويعتبر أن هذا الأمر ينبغي أن يخرج عن دائرة المزايدات الحزبية والابتزاز السياسي"، في إشارة مباشرة للغنوشي. وهدد بـ"استعداده الكامل لخوض الاستحقاقات السياسية المقبلة من أي موقع كان وفق تقديره الثابت للمصلحة الوطنية ورفضه المطلق أن يكون أداة من أدوات ضرب التوافق الاجتماعي والسياسي الذي يمثل الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الوطنية"، في إشارة إلى العمل من أي موقع كان ليكشف بوضوح إمكانية خروجه من الحكومة.