تونس: هل اقترب الطلاق بين "النهضة" و"المؤتمر"؟

19 أكتوبر 2014
"النهضة" لم تحسم بعد مرشحها للرئاسة (فتحلي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أثار الجدل بين المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، لطفي زيتون، وقياديين في حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" (حزب الرئيس منصف المرزوقي)، تساؤلات عما إذا كان من شأن ذلك أن يُعدّ بداية مراسم الطلاق السياسي بين الحزبين.

ولم يتردّد زيتون، في تصريح من مدينة باجة، شمالي تونس قبل أيام، في الحديث عن "مشروعين"، الأول قال إنّه "مشروع يقسّم البلاد بين من هم مع الثورة ومن هم مع جبهة 7 نوفمبر، بينما انتهى وهرب صانع 7 نوفمبر، ومشروع آخر أخطر، يريد تقسيم البلاد إلى مجتمعين على أساس الهوية"، مشدداً على أنّه "لم يعد هناك من انقسام حول الهويّة في تونس بالنسبة لـ"النهضة، فقد حسمها الدستور والفصل الأول منه".

يعتبر زيتون أن الصراع في تونس، يجب أن يتمحور حول المشاريع التنموية ومن يقدّم للبلاد أكثر، ومن يحقّق المطالب الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، لأن "هذا هو مشروعنا، وهذا هو السبب الذي يجعل خطاب النهضة بين هذين الخطابين التقسيميين هو خطاب الوحدة الذي يريد جمع التونسيين مهما كانت مشاربهم".

لم يتأخر الجواب كثيراً على زيتون، إذ رأى مدير الحملة الانتخابية للمرزوقي، عدنان منصر، أنّ الكلام موجّه إليه شخصياً، باعتبار أنه هو من دعا إلى انتصار "جبهة 18 يناير" على "جبهة 7 نوفمبر"، ولم يستبعد أن يكون موجّهاً أيضاً إلى "الحزب الذي ينتمي إليه ومرشّحه للرئاسة". 

ويطرح منصر سلسلة تساؤلات على زيتون قائلاً: "من الذي أفشل سعيكم، إذا لم يكن النظام القديم هو من فعل ذلك؟ من الذي حاصر كل عمل قمتم به؟ من الذين نراهم اليوم لا يخجلون من التصريح بأنهم النظام القديم ويواجهونكم بأنهم خصومكم في الانتخابات وبعدها؟ من الذي يتوعّدكم بنفس الممارسات حتى لو فزتم بالانتخابات؟". ثم يضيف: "وددنا لو أنكم دعوتم الناس لعدم التصويت لهؤلاء، لكنكم لا ترونهم أصلاً فكيف تدعون لعدم التصويت لهم؟ من كل الطيف المتقدم للانتخابات، لم تجدوا إلا "المؤتمر" للدعوة إلى عدم التصويت له". أكثر من ذلك، يرى منصر، وفق تصريحاته الأخيرة، أنّ حزب "المؤتمر هو الذي حمى ظهر النهضة، عندما تآمر عليكم الجميع وطعنكم من كل جانب، لأننا اعتبرنا ذلك دفاعاً عن خيار الشعب في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة".

وكان لافتاً ما دوّنه منصر في رده على المستشار السياسي لرئيس "النهضة"، باعتباره أنّه "للنظام القديم من القوة والطاقة ما يجعله قادراً على الاستمرار والانقضاض على كل من يمثل تهديداً لسطوته،  ولو بعد حين، خاتماً بسؤاله: "عما أنت نادم اليوم؟ على الزمن الذي كانت فيه مواقفك أكثر ثورية؟ أم على مواقف اليوم التي لم تنفك، مختاراً أم محتاراً، تُصرّح بها منذ أشهر؟".

ولم يكن منصر الوحيد الذي ردّ على زيتون في هذا الشأن، فقد سانده الوزير السابق والقيادي في "المؤتمر" سليم بن حميدان، الذي رأى أنّ زيتون يلجأ الى "الكذب المفضوح وتزييف حقائق التاريخ الثابتة"، مذكّراً إياه بأنّه "لن يكنو هناك أبداً حديث عن إحياء "جبهة 18 أكتوبر" ولا عن أحزابها التي تفرقت، وإنّما عن روحها التي تحمل معاني الوحدة الوطنيّة والقطيعة مع الاستقطاب والفساد والاستبداد والسجون والتهجير والتعذيب، الذي ما زالت آثاره محفورة في أجساد مناضلي حركته، وشبح عودته يتراقص لهم في الأفق والذي لا أعرف لأربابه اسماً سوى منظومة 7 نوفمبر ومشتقاتها".

ولاقت هذه المواقف رداً من زيتون، الذي وصف هجوم منصر عليه بـ"أمر مستغرب، لأنه إذا أصبح الأمر كذلك، فقوى 18 أكتوبر يجب أن تصطف خلف أحمد نجيب الشابي، فهو الذي أطلق المبادرة من خلال إضراب الجوع التاريخي الذي نظّمه مع ثلة من المناضلين السياسيين، وهو المهندس الأول لما تبع ذلك من نقاشات أفضت الى إصدار وثائق تفاهم تاريخية بين جملة من الفاعلين السياسيين لم يكن بينهم "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي كان رئيسه حينها ولم يرَ خلال نقاشات طويلة معه، فائدة من مثل هذه المبادرات".

وأضاف: "نجيب الشابي وهو المرشح لأعلى منصب في الدولة، لم أسمعه يتبنى هذا الخطاب التقسيمي، وهو محق لأن الموقع الذي يترشح له، يقتضي الترفّع عن كلّ الخصومات العشائرية والسياسية والطبقية والإيديولوجية". وعلى الرغم مما سبق، قال زيتون إن كلامه "ليس رداً على الذين هاجموني من حزب "المؤتمر" ومن الذين اعتبروها فرصة للتنفيس عن بعض العقد والأحقاد القديمة على شخصي أو على الحركة المناضلة التي أنتمي إليها"، موضحاً أنّ "النهضة لم تصدر بعد موقفاً من الانتخابات الرئاسية التي لم تبدأ حملتها بعد، وعندما تبدأ سيكون لنا مجال واسع، باعتبارنا لسنا طرفاً فيها، لتوضيح موقفنا وما نعلمه عن كل مرشح وذكرياتنا معه، وما قد يكون خُفي على الرأي العام ومنعنا واجب التحفّظ عن ذكره".

وتفاوتت قراءة دلالات هذا الجدل بين أبرز قياديي الحزبين، نظراً الى أهميتهما التمثيلية. فالبعض اعتبره بداية مراسم الطلاق السياسي بين الحزبين، فيما قلّل البعض الآخر من أهميته في اختيار "النهضة" لمرشحها الرئاسي المقبل، باعتباره أمراً يخضع لجملة من العوامل الأخرى المركبة والتي تبدو نتائج الانتخابات التشريعية المقبلة أبرزها.

المساهمون