تترقب تونس زيارة جديدة لوفد خبراء صندوق النقد الدولي في إطار مهمة المراجعة السادسة التي تتزامن مع زخم من الأحداث السياسية التي تعيش على وقعها البلاد، وسط توقعات بأن تكون هذه المراجعة الأكثر صرامة من قبل المؤسسة المالية الدولية التي تضغط على الحكومة من أجل استكمال ما تبقى من الإصلاحات.
وتبدأ مهمة صندوق النقد في فترة تتأهب فيها تونس للانتقال إلى مرحلة حكم جديدة تفرزها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ما يرجح أن يحمل مشروع الموازنة القادم المزيد من الإجراءات بشأن الإصلاحات الضريبة ومراجعة سياسة الدعم وإصلاح المؤسسات الحكومية.
ويعتبر خبراء اقتصاد أن المؤسسات المالية لن تتوقف عن تقديم وصفات الإصلاح التي تتماشى والسياسات الاقتصادية الجديدة التي رسمتها لتونس لتوفير القدر الأكبر من الضمانات لاسترجاع تمويلاتها، ما يضع الحكومة المقبلة في مواجهة طلبات جديدة قد تكون "لا شعبية".
وأكد الخبير الاقتصادي بلحسن الزمني أن صندوق النقد الدولي يعود إلى تونس في مهمة المراجعة السادسة في ظرف سياسي حساس، ما يضع حكام تونس القادمين في مواجهة إحراجات كبيرة في حال فرض الصندوق لطلبات جديدة بشأن الإصلاح الضريبي وتقليص الدعم.
وقال الزمني في تصريح لـ"العربي الجديد" إن الصندوق دعا الحكومة في نهاية مهمة المراجعة الخامسة إلى مزيد من التقشف من أجل حصر عجز الموازنة، متوقعاً أن يحمل مشروع قانون الموازنة للعام المقبل مزيداً من الإصلاح في اتجاه خفض العجز والتقليص من دعم الطاقة عبر إقرار زيادات جديدة في أسعار المحروقات.
وفي شهر يونيو/ حزيران الماضي استكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة الخامسة لبرنامج تونس الاقتصادي الذي يدعمه اتفاق "تسهيل الصندوق الممدد" والذي تمكنت البلاد بمقتضاه من الحصول على حقوق سحب خاصة بحوالي 245 مليون دولار، ليرتفع بذلك مجمل الأقساط التي حصلت عليها الحكومة إلى نحو 1.6 مليار دولار.
وتهدف سياسات المالية العامة التي يدفع نحوها صندوق النقد الدولي إلى تعبئة الإيرادات واحتواء الإنفاق الجاري لتخفيض عجز الميزانية، مع الحفاظ على الاستثمارات العامة وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر ذات الدخل المنخفض إلى جانب اعتماد سياسة نقدية كابحة للتضخم.
وقال صندوق النقد في تقرير نشره عقب المراجعة الخامسة إنه "ينبغي على تونس أن تواصل سياسات المدى القريب تركيزها على تحسين عجز المالية العامة والعجز الخارجي لتغيير ديناميكية الدين السلبية، وخفض البطالة، وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الأسر منخفضة الدخل. وسيتيسر التنفيذ مع تحسين الإفصاح عن أهداف السياسات والإصلاحات وأسسها المنطقية".
وأضاف أنه "سيكون الانضباط الصارم لازماً لتخفيض عجز المالية العامة إلى 3.9% من إجمالي الناتج المحلي في 2019".
وتعتمد تونس منذ توقيع اتفاق الصندوق الممدد استراتيجية تحصيل الإيرادات بشكل قوي، وإجراء إصلاحات موجهة في مجال دعم الطاقة مع الحد من كتلة الأجور عبر تجميد التوظيف الحكومي.
ولا يستثني الخبير المالي وليد بن صالح ملف القطاع المصرفي من المطالب الجديدة لصندوق النقد الدولي، مشيراً إلى أن الصندوق لم يستثن في مراجعاته الدورية إصلاح القطاع المالي. وقال بن صالح في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "مهمة المراجعة السادسة تتزامن مع صدور قرار تحكيم دولي ضد تونس في قضية البنك الفرنسي التونسي يغرم تونس بمبالغ تعويضية كبيرة قد يكون لها انعكاس على الموازنة العامة".
وأضاف أن الصندوق سيطلب من الحكومة توضيحات بشأن هذا الملف الذي لطالما وضعه في جدول أعماله في مهمات المراجعات السابقة، متوقعاً أن يكون صندوق النقد الدولي أكثر صرامة هذه المرة بشأن إصلاحات الجهاز المالي خاصة.
وأكد أن الحكومة التونسية والبنك المركزي تعهّدا في المراجعة الخامسة باتخاذ قرارات في هذا الملف من دون أي تفاصيل أخرى حول محتوى القرارات المتخذة وتأثيرها المحتمل وفق قوله.
ورغم تأكيد السلطات التونسية على تنفيذ الجزء الأكبر من الإصلاحات ودخول تونس في مرحلة الانفراج الاقتصادي يعتبر صندوق النقد أنه لا تزال هناك مخاطر كبيرة للغاية تحيط بتنفيذ البرنامج والتزام السلطات التام بجدول الأعمال المقرر للسياسات والإصلاحات، والمتابعة ربع السنوية.
وأكد الصندوق في تقرير نشره حول الوضع الاقتصادي في تونس في شهر يونيو/ حزيران الماضي أن "الدعم القوي من شركاء تونس الخارجيين على الصعيد المالي وفي مجال بناء القدرات، ستظل كلها عوامل ضرورية لتخفيف هذه المخاطر".