تونس: مزارعو الحبوب يواجهون شح التمويلات

22 أكتوبر 2015
تشغل الزراعة التونسية 517 ألف عامل (فرانس برس)
+ الخط -
يجد صغار المزارعين في تونس أنفسهم في مواجهة صعوبات تمويل الموسم الزراعي الجديد، تلك معاناة تتضاعف عند مزارعي الحبوب الذين تكبدوا خسائر بالغة في موسم العام الماضي، ما جعل جزءا كبيرا منهم غير قادر على توفير البذور.
ورغم شح موارد التمويل، لم تعلن الحكومة بعد عن أي إجراءات استثنائية لمساعدة المزارعين على تخطي الصعوبات الموسمية التي تتكرر كل موسم، فيما يعجز اتحاد الفلاحة والصيد البحري، في إقناع الحكومة والمصارف بتوفير تمويلات جدية للمزارعين.
وقد حذرت منظمة الفلاحين منذ شهر أغسطس/آب الماضي من استمرار التمييز ضد القطاع الزراعي، مؤكدة على أن تداعيات هذا التمييز ستطفو على السطح مع انطلاق الدورة الزراعية الجديدة.
واعتبرت المنظمة أن القطاع الزراعي أصبح غير قادر على الصمود في وجه الأزمات المتلاحقة، في ظل التعاطي السلبي للحكومة مع الوضع المتردي للقطاع الفلاحي حسب تقديرها.
وسجل القطاع الزراعي الموسم الماضي خسائر تجاوزت 450 مليون دينار (236 مليون دولار)، منها 300 مليون دينار خسائر بسبب الجفاف.
ويعتبر عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة الفلاحين) أن هناك صعوبات جدية تواجه المزارعين هذا الموسم، مشيرا إلى أن حجم المساحات البيضاء قد يتوسع في صورة عجز الفلاحين على توفير التمويلات الضرورية لتوفير مستلزمات الإنتاج والبذور.

وانتقد الباهي، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، غياب أي إجراء لفائدة المزارعين في مشروع قانون المالية للعام القادم، معتبرا أن الحكومة الحالية وكغيرها من الحكومات السابقة تواصل سياسة تهميش الفلاحين، وتشيح بوجهها عن القطاع الذي يؤمن خبز التونسيين وأمنهم الغذائي.
ويحتاج تمويل الموسم الزراعي وفق تقديرات عضو منظمة الفلاحين إلى نحو 800 مليون دينار (421 مليون دولار) غير أن المصارف لا توفر إلا قرابة 60 مليون دينار (31 مليون دولار) من التمويلات التي تقدم في شكل قروض موسمية يقع استخلاصها في آجال قصيرة أو مباشرة إثر موسم الحصاد. وأوضح عمر الباهي أنّ 6% فقط من 517 ألف مزارع في تونس نجحوا في الحصول على قروض بنكيّة عبر "القروض الموسمية".
ويشدّد الباهي على أنّ الحجم الإجمالي للقروض، وقيمته 60 مليون دينار، مخصّصة بصفة أولوية لزراعة الحبوب، يعدّ ضئيلاً مقارنة بتكاليف الإنتاج التي تناهز نصف مليار دولار بمعدّل 700 دينار للهكتار الواحد، وبمساحة إجمالية تقدر بنحو 1.5 مليون هكتار من الأراضي المزروعة حبوبا.
وحسب تقرير للبنك الدولي، نشر في سبتمبر/أيلول 2014، يمثّل حجم الدعم للقطاع الزراعي، 0.8% من الناتج الإجمالي المحلي في 2010؛ أي ما يعادل 350 مليون دينار، أو 70 دينارا للهكتار الواحد.
وينتقد عضو البرلمان عن حزب صوت الفلاحين فيصل التبيني، سياسة الحكومة تجاه المزارعين، معتبرا أنه ليس هناك أي نية جدية لمساعدة الفلاحين، وإنقاذهم من التهميش الذي يعاني منه نحو نصف مليون مزارع.

اقرأ أيضا: عودة الروح لصناعة الطربوش التقليدي في تونس

واعتبر عضو البرلمان أن الحكومة سارعت بنجدة القطاع السياحي في كل الأزمات التي مر بها، غير أنها لا تحرك ساكنا في ظل الأزمات المتتالية التي يمر بها القطاع الزراعي الذي كان بإمكانه أن يكون القاطرة الأساسية للاقتصاد التونسي.
ويرى عضو حزب صوت الفلاحين، أن هناك رغبة سياسية في الإبقاء على وضع المزارعين الذي وصفه بالمزري، مؤكدا أن جدولة الديون التي يطالب بها المزارعون منذ أكثر من 4 سنوات لم تحسم إلى حد الآن؛ وهو ما جعل البنوك تتلكأ في صرف قروض جديدة لفائدتهم.

وفي غياب التمويلات المصرفية تلجأ الغالبيّة الكبرى من المزارعين إلى طريقة أخرى لتوفير مستلزمات الإنتاج تتمثل في "قروض المموّنين". وهي قروض غير معلنة يوفرها المموّنون الذين يبيعون الأسمدة والبذور وحتى المحروقات، حيث تقوم هذه المحال بتمكين المزارعين بكل ما يحتاجونه خلال الدورة الزراعية، مقابل ضمانات معينة على أن يقع استخلاص المستحقات مباشرة إثر جمع المحصول وانتهاء موسم الحصاد.
ويعدّ هذا النوع من القروض وفق المزارعين مجحفًا، بسبب الأسعار المرتفعة للمعدّات والأدوية التي يقتنونها من المموّنين.
فيما يُمنح المزارعون في بلدان عديدة أخرى مساعدات كبيرة لتحفيزهم على إنتاج المواد الغذائية الأساسيّة، اختارت الحكومات التونسية تاريخيًا مقاربة الكلفة الأقل، وذلك بحفاظها على أسعار مُتحكم فيها لمواد مثل الخبز والحليب حتى تبقى مُتاحة لذوي الدخل الضعيف.
ويتذمر المزارعون من سياسة الحكومة تجاه القطاع الفلاحي، متهمين إياها بوضع يدها على أغلب المنظومات الفلاحية بغضّ، وإجبار المزارعين على بيع منتجاتهم بسعر مُحدد دون مراعاة لكلفة الإنتاج الحقيقية وهو ما يجعل المزارع، يجني القدر الأدنى وربّما لا شيء من الأرباح.
ورغم أن القطاع الزراعي يساهم بحدود 12% في صنع الثروة الوطنية في تونس ويشغل نحو 18% من اليد العاملة، إلا أنه لا يستأثر إلا بنحو 10% من الاستثمارات الحكومية كما لا يتمتع بالتمويل البنكي سوى 7% من مجمل المزارعين.
وتعد الزراعة التونسية قطاعا استراتيجيا متعدد الوظائف اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وأمنيا، ويساعد على توفير مورد رزق لنصف مليون ناشط واستقرار حوالي 3.5 ملايين نسمة في المناطق الريفية.
وأبرزت دراسات حديثة أنجزتها منظمات مهنية وحكومية حول القطاع الزراعي أن المجال الزراعي في حاجة إلى إصلاحات هيكلية معمقة تتطلب 5 سنوات للتنفيذ و5 سنوات لحصد النتائج، إلى جانب تطوير التشريعات والاستعداد للدخول في منافسة مع الفضاء الأوروبي، في إطار التحرير الكلي للمبادلات الاقتصادية بين تونس والاتحاد الأوروبي.

اقرأ أيضا: تونس تنهي الطوارئ أملاً في عودة المستثمرين
المساهمون