تونس... ما يزال للفن مكان

16 يوليو 2015
المسرح قادر على تصحيح أوضاع المنحرفين (Getty)
+ الخط -
داخل كل واحد منا فنان صغير يحتاج أن يُمنح فرصة وأن يتمسك بها ولا ييأس، الكثير منا سمع ذات يوم هذا الرأي من فاعل في حياته قد يكون صديقا أو حبيبا أو معلما، لكن من راهن على هذه الفكرة وترجمها واقعا قلة إن لم نقل استثناء.


في تونس، البلد الذي أرسل عددا قياسيا من شبابه كمقاتلين في صفوف تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات المسلحة، والذي ترتفع فيه معدلات الانتحار وتتعدد أوجه اليأس، يضم أيضا شبابا آمن بأن على أرض تونس ما يستحق الحياة وانطلقوا في معركة معها سلاحهم فيها فنهم. 
أسماء ثابت إحدى هؤلاء، فأستاذة المسرح الشابة التي عُينت منذ أربع سنوات، مدرّسة في معهد إعدادي بمنطقة ريفية من مدينة "سيدي عمر بوحجلة" في محافظة القيروان (وسط تونس)، اختارت أن يكون المسرح طريقتها لإصلاح درب حوالي ستين طفلا من أبناء الجهة، هكذا تقص رحلة السنوات الأربع الأخيرة.

لـ"جيل العربي الجديد" تتحدث أسماء ثابت قائلة: "سنتي الأولى في تدريس المسرح عرفتني على تلاميذ موهوبين في المسرح والرسم، وهو ما شجعني للقيام بأنشطة مسرحية معهم لكن تمت نقلتي في السنة الموالية واكتشفت تدريجيا أن التلاميذ الموهوبين غادروا مقاعد الدراسة، وبتجديدي التواصل معهم تبيّن لي أنهم يعيشون ظروفا اجتماعية قاسية جدا وأن المسرح كان متنفسا لإخراج مشاكلهم".

تقول أسماء إن "هؤلاء الشباب يعانون من انحراف في السلوك ومشاكل اجتماعية بغياب الأب أو الأم، وإدمان ومشاكل أخرى مختلفة ساهمت في خسارتهم فرصة التعليم" وتؤمن أنها عبر المسرح قادرة على إعادتهم ولو جزئيا إلى المنهج السليم.

تتذكر أولى محاولاتها تجميعهم وتكوين نادي تدريب مسرحي قائلة: "طلبت من مركز ثقافي حكومي في القيروان احتضاننا، واشتغلت لحوالي سبعة أشهر كمتطوعة، لكن مدير المركز سرعان ما تخلى عنا لأنه لم يكن يبحث عن مصلحة التلاميذ ومحاولة انتشالهم من الانحراف، وكان همه تقديم عرض مسرحي نهاية العام المدرسي يثبت نشاط المركز أمام المسؤولين".
تعددت المطبات التي وجدتها أسماء وانزعج من عملها المندوب الجهوي للثقافة بمحافظة القيروان واعتبر أن المشاكل التي تطرحها في مسرحها لا تمثل الجهة، حسب روايتها.

سعيا خلف ما آمنت به، جددت أسماء المحاولة مع مركز للعروض الدرامية بالجهة تبنى مشروعها، لكن بعد تغيير مديره عاد كل شيء إلى نقطة الصفر، ومع مستهل سنة 2015 وجدت أستاذة المسرح نفسها مع حوالي 60 تلميذا دون أي سند مؤسساتي لكنها لم تيأس.
وتضيف أسماء لـ"جيل العربي الجديد"، "التكوين الذي كنت أحلم به لا يقتصر على المسرح، بل يشمل دروسا في الموسيقى واليوغا وحصص علاج نفسي وغير ذلك من الأنشطة التي من شأنها أن تبعدهم عن عالم الإدمان والجريمة والإرهاب".

التجأت أسماء إلى منزلها الخاص لتدريب التلاميذ والإعداد لعمل مسرحي تقول عنه إنه "بسيكو درام" أطلقت عليه اسم "مانيش وحدي" (لست وحيدا)، وتعتبر عملها "علاجا نفسيا عن طريق المسرح يطرح من خلاله كل طفل مشكلته ويرافقه تجسيد مسرحي من زملائه" وكل هذا ضمن تسلسل درامي حسب تعبيرها.

رأت "مانيش وحدي" النور وعرضت مؤخرا ضمن عروض الأيام الثقافية الرمضانية "الشباب يتكلم فن". وما تزال أستاذة المسرح تطرق كل الأبواب من أجل فضاء ثقافي حكومي يحتضن أنشطة تلاميذها الموهوبين والمهمشين. كل المعوقات لم توقف مسار أستاذة المسرح الشابة.
مثلها تواصل رانية جديدي طريقها في عالم الغناء، رغم مشاركة في برنامج أكس فاكتر في نسخته الأخيرة لم تتوج خلالها بالفوز وانسحبت مبكرا رغم امكانياتها الصوتية الممتازة حسب عديد المتابعين.

تتعدد تجارب رانية اليوم ومن ضمنها التحاقها بمجموعة "سراب" منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وتقدم ضمن المجموعة أغنيات بدوية تونسية وموشحات أندلسية ممزوجة بألحان عالمية، قصد التعريف بالفن البدوي الشعبي التونسي وتقريبه من الشباب، هكذا تقول رانية خلال حديثها لـ"جيل العربي الجديد". وتضيف إنها تعود أيضا خلال هذه الأيام من خلال عرض "بطاقة هوية" للمخرج الطاهر عيسى، وهو عرض فني يبحث في هوية الموروث الموسيقي التونسي وخصوصياته، وقُدم العمل خلال شهر رمضان وسيقدم أيضا خلال المهرجانات الصيفية في مناسبات مختلفة.

(تونس)
المساهمون