وكان البرلمان التونسي صادق، في 4 إبريل/نيسان الحالي، على مشروع قانون يتعلق بتفويض رئيس الحكومة إصدار مراسيم طبقاً للفصل 70 من الدستور. وصوت على مشروع القانون 178 نائباً، فيما رفضه 17، وامتنع اثنان عن التصويت. وتظهر نسبة التصويت العالية تجاوز الكتل لخلافاتها، لكنها وضعت، في الوقت ذاته، الفخفاخ وحكومته أمام مسؤوليات كبيرة، إذ إنه أصبح يدير لوحده هذه الأزمة، بجناحيها التنفيذي والتشريعي، ما يعني أنه سيتحمل نتائج تداعياتها، وقد يكون مصيره وحكومته رهن ما ستكون عليه نهايتها. وعلى الرغم من أن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية ستكون قاسية في كل الأحوال، فإن الملف الصحي سيكون الفيصل الحقيقي.
ويطرح مراقبون في تونس أسئلة حول الخطوات التي ستلي هذا التفويض، وكيف سيكون توجه حكومة الفخفاخ، وهل ستقدم على اتخاذ خطوات جريئة؟ ومما يعزز التساؤلات، أنه لا يمكن التكهن بكيفية التفاعل مع طبيعة المراسيم التي قد يصدرها الفخفاخ، حتى ولو كانت متعلقة بإدارة أزمة كورونا. ويؤكد المحلل السياسي حمزة المؤدب، لـ"العربي الجديد"، أن "إدارة أزمة كورونا تتطلب قرارات ناجعة وسريعة وخطوات تطبق في أقصر الآجال الممكنة"، موضحاً أن "عدداً من رؤساء الحكومات (حول العالم) طلبوا مراسيم للحد من طول الآجال في إدارة الأزمة في بلدانهم". ويلفت إلى أن "الوضع قد يتطور، ولا يمكن ساعتها المرور بالبرلمان، ومن هنا كانت فلسفة التفويض. ولكن الأيام المقبلة ستبين إلى أين يمكن أن تذهب حكومة الفخفاخ في الإجراءات التي قد تتخذها، وهل سيقتصر رئيس الحكومة على بضع خطوات أم أنه سيذهب بعيداً بالمراسيم، وخصوصاً أن الفخفاخ لم يحدد نوعية المراسيم التي سيصدرها، وحدودها، وبالتالي لا يمكن التكهن إلى أين سيصل". ويوضح المؤدب أن "الأزمة قد تضع صناع القرار أمام اجتهادات لتطويقها، والتطورات ستحدد ما إذا كانت الحكومة ستتخذ خيارات قصوى أم لا"، مشيراً إلى أن "المخاوف التي ظهرت عند بعض الأحزاب، ومنها حركة النهضة، كان لها ما يبررها، لأن بعض المراسيم والقرارات قد تغير المعادلة السياسية".
ويلفت إلى أن "البنك المركزي يتمتع باستقلالية تامة، لكن الحكومة يمكن، مثلاً، أن تعيد النظر في هذا الأمر، كما تتمكن من فرض ضرائب على الشركات الخاصة، وهو ما تخشاه السلطة التشريعية. في المجر مثلاً استغل رئيس الحكومة (فيكتور أوربان) الفرصة لاستهداف البرلمان. صحيح أن الوضع في تونس مختلف، لكن المخاوف من ماهية الإجراءات التي قد تتخذها الحكومة تبقى موجودة، رغم تقييد التفويض زمنياً وإجرائياً".
ويرى المحلل السياسي ماجد البرهومي أن أزمة كورونا "ستعيد ترتيب العديد من القضايا في علاقة السلطتين التنفيذية والتشريعية، وخصوصاً أن تونس لم تعرف وضعاً مماثلاً منذ عشرات السنين، وبالتالي لا يمكن التكهن بما ستقود إليه الأزمة"، مؤكداً أن "محاربة هذا الفيروس تتطلب جهداً عالمياً ودولياً، وأن حكومة الفخفاخ ستركز، ضمن التفويض الممنوح لها، على محاربة الوباء". ويقول البرهومي، لـ"العربي الجديد"، إن "مقاومة فيروس كورونا يجب ألا تُنسي الحكومة الجانب الإنساني والاجتماعي والطبقات المهمشة ومصير الآلاف ممن فقدوا مورد رزقهم، والمهن التي قد تندثر، وبالتالي لا بد من استباق حصول إشكاليات. ففي المغرب مثلاً، تدخل البنك المركزي لتمويل الميزانية مباشرة، وبالتالي قد تكون هناك إجراءات جريئة لتسهيل التمويل والنهوض بالجوانب الاجتماعية، لكن كل هذه الأمور تحتاج إلى تسريع العمل عليها". ويبين أن "ملفات الشيكات، والمساعدات للشركات، وإلزام البنوك بتأجيل أقساط القروض، ستكون ضمن الملفات التي يتعين على الحكومة استعجال النظر فيها، ضمن المراسيم التي قد تتخذها".