لم تكشف الحكومة التونسية ضمن مشروع قانون موازنة العام المقبل 2020، عن خطتها لسداد نحو 4.1 مليارات دولار من الديون، مكتفية بتفصيل المبالغ المستحقة، فيما يؤكد خبراء ماليون ومسؤولون حكوميون أن الموارد الذاتية للدولة لن تكون كافية لسداد دين يساوي نحو ربع موازنة البلاد المقدرة بـ16 مليار دولار، ما يحتم اللجوء إلى قروض جديدة من أجل السداد.
وتشير الأرقام الواردة في مسودة مشروع الموازنة، التي اطلعت عليها "العربي الجديد"، إلى أن تونس ستسدد ديوناً بقيمة 11.6 مليار دينار، موزعة بين 7.9 مليارات دينار دين أصلي (2.8 مليار دولار)، و3.7 مليارات دينار (1.3 مليار دولار)، فوائد على الديون.
ويقول آرام بالحاج، الخبير المالي، إن "الخيارات الحكومية لسداد أقساط القروض المستحقة على المدى القصير محدودة جداً"، مشيرا إلى أن إيرادات العملة الصعبة من عائدات التصدير غير قادرة على تغطية المبلغ المطلوب سداده من الديون.
ولفت بالحاج إلى أن الإيرادات من النقد الأجنبي توجه بالأساس نحو توريد المواد الأساسية، مرجحا أن تلجأ تونس إلى السوق المالية في أكثر من مناسبة لسداد أقساط الديون التي يحل أجلها.
وأضاف أن "إيرادات النقد الأجنبي من السياحة وتصدير الموارد الزراعية والفوسفات لا تتجاوز 3 مليارات دولار، وهي غير كافية لسداد الدين في ظرف تبتلع فيه الواردات القدر الأكبر من رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة".
ورجّح أن تسدد تونس أقساط الديون المستحقة العام المقبل، عبر الاستدانة من السوق الدولية، خاصة أن الشرائح المتبقية من قرض صندوق النقد الدولي ستوجه نحو نفقات التسيير والأجور في الموازنة.
وتابع أن "صندوق النقد أصبح يتأخر بالأساس في صرف شرائح القرض المتفق عليه قبل نحو ثلاث سنوات، نتيجة تأخر تونس في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة"، مشيرا إلى أن معدّل التأخير في المراجعات الأخيرة يصل إلى 6 أشهر، وهو ما يضطر تونس إلى الاقتراض من المؤسسات المالية الدولية بشروط مجحفة حتى تفي بالتزاماتها الداخلية والخارجية.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، استكمل المجلس التنفيذي لصندوق النقد المراجعة الخامسة لبرنامج تونس الاقتصادي. وبموجب اتفاق القرض، تحصل تونس على 2.8 مليار دولار على عدة شرائح، تم صرف 1.9 مليار دولار ويتبقى 900 مليون دولار.
وحول مساهمة الموارد الذاتية للدولة في سداد الديون، قال بالحاج إن الإيرادات الضريبية والجمركية ستوجه إلى سداد الديون الداخلية التي تقترضها الدولة من المصارف المحلية بالدينار، لافتا إلى أن تونس دخلت منذ سنوات في دوامة الاقتراض لخلاص الديون وهي دوامة يصعب الخروج منها بنسب نمو ضعيفة للاقتصاد.
وتتوقع تونس أن تصل الإيرادات الجبائية (الضريبية) إلى 31.7 مليار دينار، بزيادة تبلغ نسبتها 9.2 في المائة عن العام الجاري 2019. وتعتمد تونس منذ توقيع اتفاق الصندوق الممدد استراتيجية تحصيل الإيرادات بشكل قوي، وإجراء إصلاحات موجهة في مجال دعم الطاقة، مع الحد من كتلة الأجور عبر تجميد التوظيف الحكومي.
كما تعوّل الحكومة على حقل نوارة للغاز الطبيعي في جنوب تونس، لخفض واردات الطاقة، وهو مشروع مملوك لشركة "أو.إم.في" النمساوية والمؤسسة الوطنية التونسية للأنشطة البترولية، والذي بدأ في الإنتاج قبل نحو شهرين.
وتقول الحكومة إن الحقل سيضاعف الإنتاج إلى حوالي 65 ألف برميل يومياً من المكافئ النفطي هذا العام، كما تتوقع نمواً قويا لإنتاج زيت الزيتون والتمور وهي من أهم الصادرات.
وتزيد الديون مستحقة السداد من مأزق الموازنة العام للدولة. وكان وزير الإصلاحات الكبرى، توفيق الراجحي، قد قال في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إن بلاده ماضية في التعاون مع صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على التمويلات اللازمة لسد العجز.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، قال مسؤول حكومي لوكالة رويترز، إن تونس تنوي الحصول على موافقة البرلمان لإصدار سندات قد تصل قيمتها إلى 800 مليون يورو العام المقبل.
وباعت تونس في يوليو/ تموز الماضي سندات مقومة باليورو لأجل سبعة أعوام بقيمة 700 مليون يورو، بسعر فائدة يبلغ 6.37 في المائة.
وكان الرئيس التونسي، قيس سعيد، تبنى في أول خطاب له أمام البرلمان بمناسبة استلامه السلطة، يوم 23 أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، مقترحاً بدعوة التونسيين في الداخل والمهجر للتبرع بيوم عمل شهريا لفائدة خزينة الدولة لمدة خمس سنوات، لتسديد ديون البلاد والحد من التداين لدى المؤسسات المالية الدولية. وشهدت ردود الأفعال من المواطنين وخبراء الاقتصاد انقساما بين مؤيد ورافض لمقترح التبرع.