21 أكتوبر 2024
تونس... في مديح رؤساء الحكومات
حين يهم رؤساء الحكومات التونسية التي تعاقبت أكثر من ثماني مرات تقريبا، بمغادرة القصبة، بقطع النظر عن الأسباب، سواء تحت ضغط الشارع أو الإقالة، يحظى هؤلاء بقدر هائل من التعاطف، ويذكر لهم الناس آلاف الخصال والمناقب، في ما يشبه طقوس الوداع الأخير التي تزهد في ذم الراحلين، مهما كانت طبيعة آثارهم.
أبدى قسم كبير من الرأي العام في تونس، سواء في شبكات التواصل الاجتماعي، أو أحاديث الشارع، تعاطفاً منقطع النظير مع الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، الذي سحب منه مجلس نواب الشعب الثقة، في الأسبوع الفارط. بدا الرجل لعديدين ضحية توافقاتٍ بين الحزبين الأكبرين في البلاد، "نداء تونس" و"النهضة"، ولم تكن الأسباب الحقيقية لإقالته ما نسب إليه من إخفاقات، حتى وإن كانت حاصلة. لا تشكل العواطف مؤشراً مهماً في توجيه السياسات، لكنها تظل مؤشراً مهماً في فهم توجهات الرأي العام وتحولاتها المقبلة، وكذلك قيم الثقافة السياسية، حتى ولو كانت هجينة.
لم يكن منسوب التعاطف الذي لقيه الحبيب الصيد ناجما عن كفاءاته الخارقة، ولا عن قدرته التواصلية الفائقة، فالرجل لم يدّع ذلك، ولا هو جدير بها. لكنه لدى قطاع واسع من التونسيين صادق النية، نظيف اليد، وذلك ما تواتر في كلمات نواب مجلس الشعب في "جلسة الوداع".
ما رشح من أخبار، فضلا عن مؤشراتٍ عديدة ترجّح أنه كان ضحية صراعاتٍ تشق حزب نداء تونس بين أجنحةٍ تتسلح بأذرع إعلامية ومالية، تجنب الحبيب الصيد الانتصار لأحدها، وربما أيضاً حاول الاقتراب من "أقاليمها المحرّرة". قاوم الرجل، قدر الإمكان، سطوة "نداء تونس" إلى حد ما، وتنازل لهم في الكثير، حتى أن رئيس كتلة الحزب سابقاً، النائب فاضل بن عمران، اعترف في جلسة الوداع بأنهم ألزموه بقائمة من تعيينات الولاة والمعتمدين، وأن وقاحة بعض هؤلاء بالذات وصلت الى رفع شعار "ديفاج/ ارحل" في وجهه.
يحرص رؤساء الحكومات في تونس على أن يغادروا ولهم سبقٌ لم يقدر عليه غيرهم. ستذكر الأجيال المقبلة أن رئيس الحكومة، الباجي قائد السبسي، نظّم أول انتخابات حرة ونزيهة، وأن حمادي الجبالي كان أول رئيس حكومة في العالم العربي يقدم استقالته، حين عرف أن
الاغتيالات لا تجيز له أخلاقياً مواصلة رئاسة الحكومة، وكلفه ذلك، في ما بعد، استقالةً ثانية من الأمانة العامة لحزبه/ حركة النهضة التي رأت في ذلك خذلاناً لها. وسيذكر التاريخ أيضا أن رئيس الحكومة علي العريض، والتزاما بمخرجات الحوار الوطني، وتبجيلا للمصلحة الوطنية، سيقدم استقالة حكومته، تطبيقا لخريطة الطريق التي أقرّها الحوار الوطني، فضلا عن صياغة الدستور في عهده. كما أن مهدي جمعة كان في ظل رئاسته الحكومة قد نظم الانتخابات التشريعية والرئاسية الأولى في ظل الدستور الجديد. غير أن ما سيذكره التاريخ للحبيب الصيد أنه أعاد الجدل السياسي إلى قبة مجلس نواب الشعب، باعتباره مصدر السلطات وشرعية الحكم، مناهضا بذلك المساعي التوسعية لمؤسسة الرئاسة، ورغبتها في العودة إلى النظام السياسي الرئاسوي الذي عانت منه البلاد. رفض الرجل أن يقدم استقالته للرئيس الباجي قائد السيسي، لأنه لم يكن مقتنعا بأسباب وجيهة لذلك. كما أنه كان رافضا للطريقة التي تم بها إطلاق ما عدّ مبادرةً رئاسية، والتي كانت في حوار تلفزي لقناة عمومية.
سيغفر الناس إخفاقات مؤسسة رئاسة الحكومة في معالجة ملفات البطالة، وقد عرفت البلاد انفلاتات خطيرة، على غرار أحداث القصرين وقرقنة وبن قردان، وغيرها من الحالات التي تم فيها الاعتداء على الممتلكات العمومية، وربما سيردد التونسيون ذلك المثل الشهير "رحم الله زوج أمي الأول"، وخصوصا أن خليفته الذي تم تعيينه ينطلق من حملة إعلامية مناهضةٍ، لا تذكر من يوسف الشاهد سوى قرابته من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي (من جهة المصاهرة).
تتشكّل الحكومة المقبلة في ظل مخاوف حقيقية من أن يكون مناخ اللوبيات وجماعات الضغط ولوبيات المصالح التي قد تكون وراء هذا التعيين، في ظل توافق فوقي، بين أكبر حزبين، هما "نداء تونس" و"النهضة"، ويعلم الجميع أنه ما كان لـ"نداء تونس" أن يعمد إلى اقترح أحد قياداته، لولا الضوء الأخضر الذي قدمته حركة النهضة، وهي تعلم أنها لا تعود بذلك إلى تكريس ما جاء في الدستور من ضرورة إسناد الحكم أصلاً للحزب الفائز في الانتخابات فحسب، وإنما تقوم بترسيخ التوافق أيضاً، باعتبارهما شريكين رئيسيين، لا في الحكم فحسب، بل في الوطن.
ينطلق يوسف الشاهد، في رئاسته الحكومة المزمع تشكيلها في الأيام القريبة، من صور وأحكام مسبقة، تضعه أمام تحدّيات، لعل أهمها البرهنة أنه يستمد مشروعيته من قدراته وكفاءاته، لا من مصاهرته الرئيس، والتي كانت سبباً في ثورة التونسيين. أما كيف سيكون أول رئيس حكومة قادراً على... وعليه أن يختار ما يملأ به الفراغات، وينجزه فعلاً.
أبدى قسم كبير من الرأي العام في تونس، سواء في شبكات التواصل الاجتماعي، أو أحاديث الشارع، تعاطفاً منقطع النظير مع الحبيب الصيد، رئيس الحكومة، الذي سحب منه مجلس نواب الشعب الثقة، في الأسبوع الفارط. بدا الرجل لعديدين ضحية توافقاتٍ بين الحزبين الأكبرين في البلاد، "نداء تونس" و"النهضة"، ولم تكن الأسباب الحقيقية لإقالته ما نسب إليه من إخفاقات، حتى وإن كانت حاصلة. لا تشكل العواطف مؤشراً مهماً في توجيه السياسات، لكنها تظل مؤشراً مهماً في فهم توجهات الرأي العام وتحولاتها المقبلة، وكذلك قيم الثقافة السياسية، حتى ولو كانت هجينة.
لم يكن منسوب التعاطف الذي لقيه الحبيب الصيد ناجما عن كفاءاته الخارقة، ولا عن قدرته التواصلية الفائقة، فالرجل لم يدّع ذلك، ولا هو جدير بها. لكنه لدى قطاع واسع من التونسيين صادق النية، نظيف اليد، وذلك ما تواتر في كلمات نواب مجلس الشعب في "جلسة الوداع".
ما رشح من أخبار، فضلا عن مؤشراتٍ عديدة ترجّح أنه كان ضحية صراعاتٍ تشق حزب نداء تونس بين أجنحةٍ تتسلح بأذرع إعلامية ومالية، تجنب الحبيب الصيد الانتصار لأحدها، وربما أيضاً حاول الاقتراب من "أقاليمها المحرّرة". قاوم الرجل، قدر الإمكان، سطوة "نداء تونس" إلى حد ما، وتنازل لهم في الكثير، حتى أن رئيس كتلة الحزب سابقاً، النائب فاضل بن عمران، اعترف في جلسة الوداع بأنهم ألزموه بقائمة من تعيينات الولاة والمعتمدين، وأن وقاحة بعض هؤلاء بالذات وصلت الى رفع شعار "ديفاج/ ارحل" في وجهه.
يحرص رؤساء الحكومات في تونس على أن يغادروا ولهم سبقٌ لم يقدر عليه غيرهم. ستذكر الأجيال المقبلة أن رئيس الحكومة، الباجي قائد السبسي، نظّم أول انتخابات حرة ونزيهة، وأن حمادي الجبالي كان أول رئيس حكومة في العالم العربي يقدم استقالته، حين عرف أن
سيغفر الناس إخفاقات مؤسسة رئاسة الحكومة في معالجة ملفات البطالة، وقد عرفت البلاد انفلاتات خطيرة، على غرار أحداث القصرين وقرقنة وبن قردان، وغيرها من الحالات التي تم فيها الاعتداء على الممتلكات العمومية، وربما سيردد التونسيون ذلك المثل الشهير "رحم الله زوج أمي الأول"، وخصوصا أن خليفته الذي تم تعيينه ينطلق من حملة إعلامية مناهضةٍ، لا تذكر من يوسف الشاهد سوى قرابته من رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي (من جهة المصاهرة).
تتشكّل الحكومة المقبلة في ظل مخاوف حقيقية من أن يكون مناخ اللوبيات وجماعات الضغط ولوبيات المصالح التي قد تكون وراء هذا التعيين، في ظل توافق فوقي، بين أكبر حزبين، هما "نداء تونس" و"النهضة"، ويعلم الجميع أنه ما كان لـ"نداء تونس" أن يعمد إلى اقترح أحد قياداته، لولا الضوء الأخضر الذي قدمته حركة النهضة، وهي تعلم أنها لا تعود بذلك إلى تكريس ما جاء في الدستور من ضرورة إسناد الحكم أصلاً للحزب الفائز في الانتخابات فحسب، وإنما تقوم بترسيخ التوافق أيضاً، باعتبارهما شريكين رئيسيين، لا في الحكم فحسب، بل في الوطن.
ينطلق يوسف الشاهد، في رئاسته الحكومة المزمع تشكيلها في الأيام القريبة، من صور وأحكام مسبقة، تضعه أمام تحدّيات، لعل أهمها البرهنة أنه يستمد مشروعيته من قدراته وكفاءاته، لا من مصاهرته الرئيس، والتي كانت سبباً في ثورة التونسيين. أما كيف سيكون أول رئيس حكومة قادراً على... وعليه أن يختار ما يملأ به الفراغات، وينجزه فعلاً.