تونس: صراع على إمامة "الزيتونة"

04 سبتمبر 2014
"الزيتونة" غير معني ببرنامج تحييد المساجد (فتحي بلعيد/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

لا تزال أزمة جامع "الزيتونة" في تونس، التي بدأت قبل أكثر من عامين، مستمرة. وقد برزت مجدداً بعدما وصل عدد القضايا المرفوعة ضد إمام المسجد حسن العبيدي إلى 14. وتُطالبُ وزارة الشؤون الدينية، التي تشرفُ على نحو 5000 مسجد، بتنحيته، رافضةً أن يكون "الزيتونة خارج سيطرتها، إضافة إلى 148 مسجداً آخر".

في المقابل، رأى العبيدي أن "الجامع غير معني ببرنامج تحييد المساجد الذي أطلقته الحكومة التونسية أخيراً"، لافتاً إلى أن "المسجد محايد ومستقلّ وفقاً للقانون، وليس للحكومة الحق في التدخل بشؤون الجامع الأعظم وفروعه الـ25". وذكر أن وزراء الشؤون الدينية والتعليم العالي والتربية وقعوا، في 12 مايو/ أيار عام 2012، على وثيقة أقروا فيها باستقلالية الجامع الأعظم عن الحكومة.

وتقول الوثيقة إن "جامع الزيتونة مؤسسة إسلامية علمية تربوية مستقلة، غير تابعة للدولة وتتمتع بالشخصية القانونية. كما أن العبيدي هو شيخ الجامع الأعظم بجميع فروعه، وتنظيم الجامع يعود إلى شيوخ الجامع دون سواهم".

وفي 8 أغسطس/ آب 2012، تنصّل الوزراء الثلاثة من الوثيقة التي كانوا قد وقّعوا عليها، وقالوا في بيان مشترك إن "جامع الزيتونة تابع قانونياً لرئاسة الحكومة. وتتمتّع وزارة الشؤون الدينية بحق إدارته وتعيين الأئمة والمؤذنين وسائر الأعوان، وتنظيم المناسبات والدروس العلمية والتوعوية". إلا أن العبيدي لم يمتثل للقرار الجديد، فلم يكن منهم إلا اللجوء إلى القضاء أكثر من مرّة. لكن محكمة تونس الابتدائية أقرّت، في أغسطس/ آب عام 2012، باستقلالية الجامع.

وقال العبيدي إنه "لن يتخلّ عن منصبه لأي شخص مهما كان"، مؤكداً أنه "أبرم اتفاقاً مع وزراء حكومة الترويكا الشرعية". واتّهم الحكومة الحالية بأنّها "توافقية وليست شرعية، ولا يحق لوزرائها اتخاذ قرار إقالته أو عزله من إمامة المسجد الأعظم". واستغرب تدخّل الحكومة الحالية في الجامع رغم أنّه "مؤسسة إسلامية علمية مستقلة غير خاضعة لسيطرة الدولة"، مؤكداً أن "الفصل 8 من القانون الأساسي للجامع الأعظم يقول إنه لا يجوز للحكومات التدخل في الشأن الداخلي للمسجد". وأضاف أن "هناك إمكانية واحدة لتدخل هيئات الدولة في المسجد بحسب الفصل 9، الذي ينص على وجود تعاون مشترك بين الحكومة والمشرفين على المسجد من أجل تسييره في حالات معينة".

ورفع العبيدي بدوره 8 قضايا ضد وزارة الشؤون الدّينية، وبلدية تونس، ووكيل الجمهورية، وأحد مراكز الحرس الوطني، إضافة إلى عدد من الجمعيات الذين ارتكبوا تجاوزات من خلال التدخل في شؤون الجامع. وبيّن، لـ"العربي الجديد"، أن "جامع الزيتونة مؤسسة تعليمية إسلامية قومية مستقلة، لا تتبع أي وزارة أو حتى الحكومة". مشيراً إلى أن هذا "الجامع العريق يتبعه 25 جامعاً، وسنعمل على استرجاعهم جميعاً رغم كيد الوزارة". وأضاف أنه "سيقوم باسترجاع الخلدونية وجميع المقرات التابعة لجامع الزيتونة، بهدف العودة إلى التعليم الزيتوني الأصيل الذي تم منعه في تونس منذ عام 1964".

ودفع الخلاف حول الجامع، وتعدّد القضايا التي لم يبت القضاء فيها حتى اليوم، بوزير الشؤون الدينية، منير التليلي، إلى لقاء ممثلي النقابة الوطنية للإطارات الدّينية لإيجاد حل للقضية. وأوضح الأمين العام للنقابة العامة للأئمة، فاضل عاشور، لـ"العربي الجديد"، أن "العبيدي حوّل جامع الزيتونة إلى ملك خاص له، يتصرف فيه بإرادته"، مضيفاً أنه "استحوذ على فضاء الخلدونية، واستولى على وثائق هامة تخص الدولة وتاريخها".

على صعيد آخر، لفت عاشور إلى "قيام العديد من الأشخاص، بينهم بعض المنتفعين بالعفو التشريعي العام، ومجموعة من أنصار الجامع، بتهديد كل مَن يخالفهم الرأي، والتصدي لكل تدخل أمني ضد إمام الجامع".

تجدر الإشارة إلى أنه جرى تأسيس جامع "الزيتونة" منذ نحو 13 قرناً، وكان يُعرف لدى المسلمين بـ"الجامع الأعظم"، علماً أنه ثاني جامع يُبنى في شمال أفريقيا بعد جامع الصحابي "عقبة بن نافع" في مدينة القيروان، ولعب دوراً طليعياً في نشر الثقافة العربية ـ الإسلامية في بلاد المغرب العربي.

كذلك، كان العبيدي قد طالب باسترجاع ممتلكات الجامع التي صادرتها الدولة في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي حكم تونس بين عامي 1956 و1987، قائلاً: "لدينا جرد رسمي بكافة أوقاف جامع الزيتونة، وهي تتوزع بين أراضٍ زراعية وعقارات ومنقولات أثرية".
دلالات