أثارت سلسلة من الحرائق الهائلة، في الأيام الأخيرة، مخاوف التونسيين وقلقهم من تكرار مثل هذه الحوادث التي تستهدف المصانع والمحلات والمزارع والغابات. كما زاد من قلقهم توقيتها وأسبابها وتداعياتها.
وسجّلت تونس، في الأيام القليلة الماضية، نشاطاً مكثفاً لوحدات الحماية المدنية ورجال الإطفاء، الذين لم يعرفوا الراحة، بسبب اندلاع الحرائق في عدّة جهات في البلاد، ليستغرق إخمادها ساعات طويلة.
وشهد أحد مواقع شركة إنتاج الفوسفات بالمظيلة، في محافظة قفصة، في موعد الإفطار، أمس الجمعة، حادثة احتراق قاطرة معدّة لنقل مقطورات الفوسفات من المغاسل نحو محطة القطار بقفصة، حيث تنبّه العمّال للحريق الذي خلّف أضراراً مادية، بحسب ما نقله شهود عيان.
وفتحت وحدة الأبحاث والتفتيش بالحرس الوطني تحقيقاً في الحادثة للكشف عن أسباب الحريق.
وسيطر الهلع، ليل الخميس، على الأحياء السكنية المحاذية للمنطقة الصناعية بالنفيضة، في محافظة سوسة شمال شرقي البلاد، عندما امتدّ حريق إلى المنازل، رغم ساعات طويلة من محاولة إخماده من قبل رجال الإطفاء وعناصر الحماية المدنية في سوسة. وكان الحريق قد اندلع في مصنع مختصّ في صناعة المناديل الورقية في معتمدية النفيضة، وامتدّ إلى عدّة مؤسسات اقتصادية أخرى مجاورة.
وقالت رجاء الطرابلسي، والية سوسة ورئيسة "اللّجنة الجهوية للتوقي من الكوارث ومجابهتها"، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّه "لم تسجّل خسائر بشرية بسبب الحريق الهائل الذي تمّ إخماده بفضل تضافر جهود وحدات الحماية المدنية في سوسة، وبتعزيزات من المحافظات الخمس المجاورة، وبفضل مساندة المؤسسة العسكرية بطائرة عمودية، فيما لم يتم إحصاء الخسائر المادية بعد".
وأضافت الطرابلسي أنّه "تمّ فتح تحقيق للوقوف على أسباب نشوب الحريق ومتابعة هذه الحادثة الخطيرة".
وأكّدت وزارة الداخلية، في بلاغ لها، أنّ فرق الإطفاء، التابعة للديوان الوطني للحماية المدنية، تمكّنت من إخماد الحريق وتطويق النيران، ومنع انتشارها إلى باقي أرجاء المصنع المذكور والمصانع المجاورة.
وأشارت إلى أنّ مصالح الديوان الوطني للحماية المدنية سخّرت الموارد المادية والبشرية الضرورية لعمليات الإطفاء، من الإدارة الجهوية للحماية المدنية في سوسة ونابل والقيروان وزغوان والمنستير وبن عروس وتونس والمهدية والوحدة المختصّة، إضافة إلى شاحنة إطفاء تابعة لمطار النفيضة الدولي وشاحنة تابعة لإدارة الغابات.
ولاحظت الوزارة أنّ المصالح المركزية للديوان الوطني للحماية المدنية تولّت تسخير فرقة الدعم والإسناد التكتيكي لمؤازرة جهود فرق الإطفاء، بالاعتماد على طائرتي "درون" مجهّزيتن بكاميرتين حرارتين، مرتبطتين بمركز قيادة متنقل، تساعدان على استطلاع موقع الحريق وتحديد نقاطه الخطرة لتوجيه فرق الإطفاء الميدانية.
وفي السياق ذاته، أتى حريق سوق الحفصية، في قلب العاصمة، على 30 محلاً معداً لبيع الملابس المستعملة ''الفريب"، قبل يوم واحد فقط من إصدار الإذن بفتحها، بعد إقفالها بسبب وباء كورونا.
وتمكّن أعوان الحماية المدنية في العاصمة، بعد أكثر من أربع ساعات، من إخماد حريق سوق الحفصيّة.
وقال المتحدّث الرسمي للحماية المدنيّة، معز تريعة، إنّ الحريق اندلع في حدود الخامسة صباحاً من يوم الأربعاء الماضي، وأتى على قرابة 30 محلاً لبيع الملابس المستعملة، وأشار إلى أنّ وحدات الحماية المدنيّة، التي كانت معزّزة بوحدات من تونس وبن عروس ومنوبة وأريانة، قد تمّكنت من إخماده ومنع تسرّبه إلى المنازل المجاورة.
وتمّ توقيف ثلاثة شبان على ذمة التحقيق في قضية حريق سوق الحفصية. إذ بيّنت التحقيقات أنّ مجموعة من المنحرفين نظّموا ليلة الحادثة جلسة في السوق، استهلكوا خلالها مواد مخدّرة واستولوا على أدباش من داخل أحد المحلات، وخوفاً من انكشاف أمرهم أضرموا النار في المحل ولكن فوجئوا بامتداد النيران بسرعة إلى باقي المحلات.
وفي نفس السياق نشب، الخميس، حريق هائل في غابة دار شيشو بالهوارية، التابعة لمحافظة نابل شمال شرقي البلاد. وأكّد المدير الجهوي للحماية المدنية في نابل العميد لطفي بن علية، في تصريح صحافي، أنّ حريقاً هائلاً أتى على حوالي 10 هكتارات من المساحة الغابية، وتمكّن 12 عنصراً من الحماية بمساعدة فرق إدارة الغابات من إخماد الحريق الذي دام ساعات، وأشار إلى أنّ أسباب نشوب الحريق ما زالت مجهولة.
والأسباب خلف معظم هذه الحرائق، التي لا تزال مجهولة، عمّقت مخاوف التونسيين حول ما إذا كانت هذه الحوادث عرضيّة أو أعمالاً إجرامية أو تهديدات إرهابية.
وكتب المدوّن والمحلّل، الأمين البوعزيزي، تعليقاً على حسابه على "فيسبوك": "استئناف الحرائق (غابات وأسواق ومناطق صناعية...) تزامناً مع بعض المحاكمات والإحالة على التقاعد الوجوبي. شبكة عصابة السراق جسد واحد، إذا حوكم عضو تداعت له سائر العصابة النهابة بالحرائق والصفحات المأجورة للترذيل وإسناد الثورجية الوظيفية وثورجيي زمن رخاء الثرثرة".
Facebook Post |
وما زالت السلطات تبحث وتحقق في أسباب اندلاع هذه الحرائق المتكرّرة والتي يمكن للعوامل الطبيعية أن تساهم فيها، خصوصاً بعد موجة ارتفاع الحرارة، إلى جانب طول فترة إغلاق بعض المحلات والمصانع خلال فترة الحجر الصحي بسبب فيروس كورونا، كما تبقى فرضيات الجريمة مفتوحة أمام المحقّقين.
وقال علي الهرماسي، عضو لجنة الأمن والدفاع، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "هذه الحرائق أصبحت مصدر هلع وخوف وترهيب للتونسيين"، وأشار إلى أنّها "شكل من أشكال الإرهاب البيئي".
وشدّد على ضرورة انتظار صدور نتائج التحقيق، مؤكداً في الوقت عينه أنّه في حال ثبت تورّط جهات أو أشخاص بالحرائق الهائلة، فإنّه يمكن للقضاء أن يطبق عليهم قانون مكافحة الإرهاب، الذي يصنّف الإضرار بالأمن الغذائي والبيئة، بما يخلّ بتوازن المنظومات الغذائية والبيئية أو الموارد الطبيعية أو يعرّض حياة السكّان أو صحّتهم للخطر، جريمة إرهابية يعاقب عليها القانون بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاماً، وبدفع غرامة مالية من خمسين ألف دينار إلى مائة ألف دينار (من حوالي 17 ألف دولار إلى 34 ألفاً).