يثير النقاش المطروح حول إمكانية رفع سنّ التقاعد في تونس من 60 عاماً إلى 62 عاماً، خصوصاً مع تفاقم عجز صناديق الضمان الاجتماعي، جدالاً واسعاً في مختلف الهيكليات والمؤسسات. ويرفض هذا المقترح كثيرون من فئات عمرية مختلفة، لا سيّما هؤلاء الذين ينتظرون الراحة بعد سنوات طويلة من العمل، بالإضافة إلى الشباب الذين يرون فيه عائقاً لعملية الانتداب في الوظيفة العمومية وزيادة علنية في نسبة البطالة.
ويأتي هذا القرار على خلفية إفلاس الصناديق الاجتماعية التونسية التي ينتفع منها 275 ألف شخص، كمحاولة لإيجاد حلّ لهذا العجز، وسط سخط معظم الموظفين والعاملين. هم كانوا ينتظرون قراراً يقضي بخفض سنّ التقاعد، فتفاجأوا بالعكس.
محمد بن نصر (55 عاماً) موظف في مؤسسة عمومية، يقول إنّه صدم مما يطرح اليوم من إمكانية رفع السن إلى 62 عاماً، على أن ترفع في مرحلة تالية إلى 65 عاماً. ويشير إلى أنّه كان ينتظر انقضاء الأعوام الخمسة المقبلة، ليتقاعد ويرتاح بعد أكثر من 25 عاماً من العمل. بالنسبة إليه، "الأجدر اليوم هو محاولة خفض السن ليتمكن الشباب من الحصول على العمل لتقليص البطالة".
صالح الرحيمي (58 عاماً) عامل في مصنع، يشاطر بن نصر الرأي حول ضرورة خفض سنّ التقاعد لحلّ مشكلة البطالة، والتخفيف من احتقان الشباب، والاحتجاجات المطالبة بفرص عمل. ويشير إلى "ضرورة إيجاد حلول لعجز الصناديق الاجتماعية، والتحقيق والتثبت حول ما إذا كان الأمر عائداً إلى سوء تصرف مالي فيها".
كذلك يلقى هذا الاقتراح رفضاً من قبل بعض أصحاب المؤسسات، نظراً لتأثيره على الأجراء والموظفين، لا سيّما هؤلاء الذين تجاوزت مدّة عملهم 20 عاماً. ويقول هنا كمال (تحفّظ عن ذكر اسم عائلته) وهو صاحب مؤسسة، إنّ "رفع سنّ التقاعد يؤثّر على مردودية الموظف وخصوصاً العامل، كذلك فإنّ المؤسسات عموماً تحتاج إلى طاقات شبابية جديدة لزيادة مردودية العمل".
من جهة أخرى، يخيّب هذا المقترح آمال المقبلين على سوق العمل، لا سيّما حاملي الشهادات العاطلين من العمل. هم رأوا في ذلك عائقاً أمام الانتداب في الوظيفة لسنوات إضافية. تقول سارة نفزاوي وهي خريجة كلية آداب منذ عام 2005، إنّه "عوضاً عن إيجاد حلّ لأزمة البطالة، تفاجئنا الحكومة في كل مرة تطرح فيها أزمة الصناديق، بإمكانية اللجوء إلى رفع سنّ التقاعد. وهو ما يشكّل خيبة أمل كبيرة لكل من ينتظر العمل، إذ الأمر يعيق إمكانية فتح باب الانتدابات في الوظيفة".
ويوضح أمين عام الاتحاد العام لأصحاب الشهادات المعطلين عن العمل سالم العياريفي لـ "العربي الجديد"، أنّ "رفع سنّ التقاعد يعدّ مظلمة كبرى للعاطلين من العمل. والاتحاد عمل منذ عام 2006 على خفض السنّ خصوصاً في سلك التعليم الثانوي، إلى حدود 55 عاماً. لكننا فوجئنا بمشروع الحكومة الذي يقترح رفع سنّ التقاعد لإنقاذ الصناديق الاجتماعية". إلى ذلك، يشير العياريفي إلى أن مؤسسات التعليم العالي تعمد إلى تشغيل أساتذة متقاعدين، ما يزيد أزمة العاطلين من العمل.
وتأتي مسألة رفع سنّ التقاعد من بين الحلول المقترحة للخروج من أزمة الصناديق الاجتماعية. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية عمار الينباعي في أكثر من مرّة إمكانية اتخاذ هذا القرار، لأنّ رفع سنّ التقاعد سيوفّر 350 مليون دينار تونسي (184 مليون دولار أميركي) في العام الواحد، ما يعني أنّه لو طبّق هذا الإجراء بدءاً من العام الجاري، ينخفض العجز إلى حدود 150 مليون دينار (79 مليون دولار) عوضاً عن 500 مليون دينار (262 مليون دولار). والأمر نفسه بالنسبة إلى العام المقبل.
في المقابل، يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل قرار رفع سنّ التقاعد لحلّ أزمة الصناديق الاجتماعية، وقد أكد أمينه العام حسين العباسي ضرورة الابتعاد عن الحلول السهلة المضرّة بالمؤسسة والأجراء على حدّ السواء، والبحث عن موارد جديدة تعيد التوازن إلى الصناديق الاجتماعية التي تعاني من وضع متأزم.
ويقول الأمين العام المساعد المسؤول عن التغطية الاجتماعية في الاتحاد عبد الكريم جراد لـ "العربي الجديد"، إنّ "تمديد سنّ التقاعد قرار أحادي من جانب الحكومة، ولم يأتِ نتيجة تشاور ونقاش مع الاتحاد العام التونسي للشغل أو غيره من النقابات والأطراف المعنية". إلى ذلك يرى أن "اقتراح رفع مساهمات الأجراء لن يحلّ مشكلات الصناديق الاجتماعية، بل من شأنه فقط زيادة الأعباء على هؤلاء".
اقرأ أيضاً: طلاب تونسيّون بلا عمل