واستقبلت تونس شخصيات عدة، من مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، ورئيس الحكومة المصرية المستقيل إبراهيم محلب، ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية آن باترسون. وتزامنت الزيارات مع تحرّكات واجتماعات لسفراء الدول الكبرى في تونس، وأبرزها لقاءات السفير البريطاني هاميش كاويل، والذي التقى بعدد من الشخصيات السياسية التونسية. وحرص كاويل على تأكيد الدعم البريطاني لجهود المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون، في مساعيه لتحقيق المصالحة الوطنية بين الأطراف الليبية المختلفة. حتى إنه طلب من رئيس أحد الأحزاب التونسية "العمل على إقناع أحد طرفي النزاع الليبي بإنجاح حوار الصخيرات".
وأكد كاويل في جولاته الداخلية أن "نجاح الحوار الدائر الآن ليبياً، لن يكون إلّا خطوة أولى، ينبغي أن تليها خطوات وحوارات أخرى، فالحوار الحالي يجمع بين طرفين من نتاج الثورة وينبغي التحضير للتعامل لاحقاً مع أنصار النظام القديم، مع ما تطرحه هذه المرحلة من مشاكل متشعّبة ومعقّدة".
وفي الشأن التونسي، شدّد السفير البريطاني على أن "بلاده لن تتراجع عن دعمها لتونس، بل سترفع من وتيرته"، مشيراً إلى أن "لندن ستحتضن مؤتمراً لدعم الاستثمار في تونس، يُرجّح انعقاده الشهر المقبل". وألمح إلى أن "حكومته قد تفكّر في مراجعة قرار منع سفر رعاياها إلى تونس".
وتؤدي بريطانيا دوراً بارزاً في ليبيا، عكس ما يبدو ظاهرياً، وفق ما أكده دبلوماسي سابق في ليبيا، رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، بل "لعلّها اللاعب الأبرز تونسياً"، حسبما يعتقد.
اقرأ أيضاً: إغلاق شارع بورقيبة بتونس..إجراء أمني أم إسكات للرأي العام
من جهتها، اعتبرت باترسون أن "جميع الأطراف الليبية ستتوصل إلى حلّ قريب". وجددت نفي بلادها "إنشاء قاعدة عسكرية أميركية في تونس". وتطرّقت باترسون إلى الوضع المصري، خلال لقاءٍ مع شخصيات تونسية. وذكرت مصادر حزبية، حضرت اللقاء، لـ"العربي الجديد"، أن "باترسون كشفت عن مساعٍ تبذلها الولايات المتحدة مع عدد من دول الخليج لتليين الموقف الرسمي المصري، ومحاولة دفع الجميع إلى الحوار، مستدلّة بالتجربة التونسية".
وطلبت باترسون، وفق نفس المصادر، من محاوريها "الدخول على الخط وإقناع الإخوان المسلمين في مصر بالحوار". وذكرت المصادر أن "الطرف التونسي أعرب عن استعداده لذلك إذا ما توفرت الشروط الضرورية لحوار كهذا، وأولها استعداد القيادة المصرية واقتناعها بهذا التوجه". وتعتقد الجهات التونسية أن "الحلّ الوحيد في مصر هو إيقاف هذا النزيف، والاقتناع بأن الحوار هو نهاية الطريق مهما طالت الأزمة".
وفي لقاءٍ ثانٍ جمعها برئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، قالت باترسون إنه "تمّ التطرق إلى التعاون الثنائي بخصوص التبادل الاستعلامي الوثيق والتنسيق المعلوماتي المستمرّ بين الولايات المتحدة وتونس حول ملف الإرهاب، للقضاء على هذه الآفة".
أما مرافقها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوفسكي، فقد كشف أن "حجم المساعدات المالية الأميركية لتونس، بلغ منذ الثورة (2010) إلى اليوم 700 مليون دولار"، مؤكداً عزم واشنطن على "مساعدة ودعم تونس في استكمال مسارها الديمقراطي".
وتحرص واشنطن على دعم التجربة التونسية، تحديداً الحوار الدائر بين مختلف فرقاء الساحة التونسية، ونقلها إلى فضاءات عربية أخرى تعطّلت فيها سياسة الحوار وتحوّلت إلى فوضى زعزعت استقرار المنطقة برمتها.
وتكشف قيادات حزبية مُطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن "الأميركيين ليسوا منزعجين من الحالة الليبية، بقدر قلقهم من حالة التوتر المصرية، لأهمية مصر الكبيرة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب حجم التأثير المصري في المنطقة العربية عموماً".
وكان الموضوع الليبي قد طُرح بإسهابٍ بين محلب والصيد ورئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ولا يبدو تباين الموقفين بينهما منذ مدة خافياً، على الرغم من قلقهما المشترك من الوضع وتأثرهما اقتصادياً بحالة الفوضى الليبية.
ولكن تصريحات محلب في تونس أشارت إلى تطابق جديد في وجهات النظر بين البلدين يدور حول دعم الحوار، وإذا صدق هذا التطابق بالفعل، فقد يكون لجهود السبسي دخل في ذلك.
وعلمت "العربي الجديد" في هذا الصدد أن "الرئيس التونسي تحدث منذ أشهر مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، محاولاً إقناعه بوجهة النظر التونسية، والتي ترى أن الحوار هو الحل الأوحد في ليبيا، وغيرها. وربما قد يجتمع الرئيسان قريباً لبحث هذا الملف، بعد توجيه مصر دعوة للسبسي لزيارة القاهرة".
أما زيارة ظريف، فلم تحظَ باهتمام إعلامي كبير على الرغم من أهميتها وأهمية توقيتها، ربما لأن العلاقات التونسية الإيرانية جيدة ولم تتأثر باضطرابات المنطقة عموماً. وعلمت "العربي الجديد" أن "إيران ترغب في أداء دور ما في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، لكسر الطوق العربي المضروب عليها، وإعادة الحيوية إلى علاقاتها الدولية، خصوصاً بعد الاتفاق النووي".
والتقى ظريف عدداً من الشخصيات الرسمية والحزبية، وأعرب عن استعداد بلاده لـ"إنجاح الثورة التونسية وتلبية طموحات شعبها في أهدافها السامية"، وذلك أثناء لقائه زعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي. أما الغنوشي فأكد لضيفه الإيراني ضرورة أن "تعمل إيران على تحقيق الاستقرار والسلام واحترام حقوق شعوب المنطقة في الحرية والكرامة وتقرير المصير، تحديداً الشعب السوري الذي يتعرّض لظلمٍ يتوجب وقفه وبذل الجهود الخيّرة من أجل ذلك". وقدّم ظريف دعوة للغنوشي لزيارة إيران من المرشد علي خامنئي.
اقرأ أيضاً: تونسيون يقودون حملة "مانيش مسامح" للإطاحة بقانون المصالحة