في تصعيد واضح للأزمة التي نتجت من قرار الإمارات منع التونسيات من السفر على متن طائراتها، قررت الحكومة التونسية، مساء الأحد، تعليق رحلات شركات الطيران الإماراتية من وإلى تونس.
وذكرت وزارة النقل، في بيان لها، أن القرار سيظل ساري المفعول إلى "حين تمكّن الشركات من إيجاد الحل المناسب لتشغيل رحلاتها، طبقا للقوانين والمعاهدات الدولية".
القرار التونسي يمثل تصعيدا واضحا في الأزمة بعد الضغط الشعبي والحزبي الذي مارسته أغلبية الأحزاب التونسية والمنظمات الوطنية، أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وصف القرار الإماراتي بـ"عربدة دولة، واعتداء سافر على كل التونسيّات والتونسيّين، ومسّ كرامتهم".
وشدد الاتحاد على أن ما أقدمت عليه الإمارات "خرق للمواثيق الدولية، وضرب لقوانين الملاحة الجوية الدولية، فضلا عن تعدّيه على قيم الأخوّة العربية المفترضة، مع إضراره بمصالح المسافرين والعابرين لدولة الإمارات، وانتهاكه للحقّ في التنقّل"، داعيا إلى "استصدار القرارات العقابية ضدّ الإمارات… واتّخاذ موقف مشرّف بعيدا عن الحسابات النفعية الواهمة والاصطفافات المفرّطة في سيادة تونس وكرامتها".
واستغرب الاتحاد "محاولة البعض تبرير هذا الإجراء العنصري، والتخفيف من وقعه على سمعة التونسيّين، تحت مبرر رفض التوظيف السياسي للحادثة"، في إشارة إلى أحزاب قريبة من الإمارات.
وفي السياق، قالت حركة النهضة، التي وصفت القرار الإماراتي بـ"الأخرق والعنصري والمخالف للقوانين المنظمة للطيران المدني"، إنها تدين بشدة "إقدام الشركة الإماراتية على منع حرائر تونس من امتطاء طائراتها، وتعتبر ذلك سلوكاً عنصرياً وإهانة لنساء تونس وشعبها. وتدعم قرار رئيس الدولة والسلطات التونسية بتعليق رحلات الشركة الإماراتية، كردّ على المسّ بكرامة التونسيات والتونسيين والتعدي على سيادة الدولة التونسية".
القرار التونسي، كما علم "العربي الجديد"، تم اتخاذه من أعلى هرم السلطة التونسية، أي رئاسة الجمهورية، لأنها المسؤولة عن تحديد السياسة الخارجية للبلاد، وقد لقي تجاوباً شعبياً وحزبياً كبيراً.
إلى ذلك، قالت المتحدثة باسم الرئاسة، سعيدة قراش، الاثنين، إن الإجراء الإماراتي ضد المسافرات التونسيات على الطائرات الإماراتية سببه مخاوف من حدوث اعتداء تنفذه نساء يحملن جوازات سفر تونسية مزورة، مؤكدة لإذاعة "شمس إف إم" الخاصة أن "هناك معلومات جدية لدى السلطات الإماراتية حول احتمال ارتكاب اعتداءات إرهابية".
وأضافت قراش أن معلومات الإماراتيين تشير "إلى أنه في إطار عودة المقاتلين وخروجهم أساسا من سورية ومن العراق، هناك مخططات وإمكانية وقوع عملية إرهابية تنفذها نساء، إما تونسيات أو يحملن جوازات سفر تونسية"، في تلميح إلى احتمال استخدام جوازات سفر تونسية مزورة، وفق "فرانس برس".
وحرصت تونس، من خلال قرار الأحد، على الرد على القرار الإماراتي الذي صدر عن وزارة النقل وليس وزارة الخارجية، ضمن حدوده التقنية والإدارية.
كما تحدث القرار التونسي عن الشركات الإماراتية لا عن دولة الإمارات، أملا في أن تعدل عن قرارها، وفي انتظار الرد الإماراتي وما سينجم عنه من تصعيد دبلوماسي خطوة بخطوة.
وفي السياق أفادت مصادر "العربي الجديد" بأنه خلال لقاء المسؤولين التونسيين بالسفير الإماراتي، سالم الزعابي، اعتبر الأخير أن اللهجة التي استفسرت بها الحكومة التونسية عن أسباب القرار في اليوم الأول كانت حادة.
إلى ذلك، يأتي القرار التونسي أمس، تزامناً مع سفر كاتب الدولة للشؤون الاقتصادية بوزارة الخارجية، حاتم الفرجاني، أول أمس، إلى الإمارات، أي قبل صدور القرار، ما قد يعقد مهمته.
من جهتها، ذكرت شركات الطيران الإماراتية أنها ستعلق رحلاتها إلى تونس بداية من اليوم الاثنين، في حين ستعقد وزارة النقل التونسية اجتماعا مع كل الأطراف المعنية لبحث تفاصيل تنفيذ القرار التونسي وتبعاته.
وفي انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين البلدين، وخصوصا في انتظار الرد الإماراتي، تتجه الأزمة إلى مزيد التعقيد، خصوصا أن السلطات الإماراتية كانت قد أعلنت أن الحظر الذي فرضته على التونسيات كان ظرفياً، ولكنها عادت ونفذته في اليومين التاليين. وليس من العاصمة تونس فقط، وإنما من مطارات في عواصم أخرى، ما تسبب في تعقيدات عائلية ومشاكل بالجملة، بسبب احتجاز تونسيين فيها، ورفع من منسوب الاحتقان الشعبي والسياسي والرسمي في تونس.
ولم يكن الرد الإماراتي مقنعاً، حيث اكتفى وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بالإشارة، في تغريدة قصيرة، إلى أسباب أمنية، ولم يعتذر عما تسبب فيه القرار من مشاكل، بالإضافة إلى أنه كان مفاجئا، ولم يتم أدنى تنسيق مع السلطات التونسية بشأنه كما جرت العادة في مثل هذه الحالات الأمنية.