مرّة أخرى في يناير/ كانون الثاني، تنطلق الشرارة في تونس من ثاني أفقر محافظات البلاد، مدينة القصرين التي لا تبعد سوى 50 ميلاً عن سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية. هذه المرّة عجزت الحكومة عن التعتيم على موجة الاحتجاجات التي اجتاحت المدينة عقب إقدام الشاب رضا اليحياوي على وضع حدّ لحياته يوم السبت الماضي احتجاجاً على التلاعب بقائمة الموعودين بالوظائف. 72 ساعة فقط كانت كافية لتنتشر المظاهرات والمواجهات مع قوّات الأمن في أكثر من 16 محافظة من أصل 23 وسط عجز تام للمسؤولين عن إيجاد مخرج أو إسكات أصوات المحتجّين.
كلّ المؤشّرات كانت تنذر بقرب موجة من التحرّكات الاحتجاجيّة، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة وخيبة المواطنين من موازنة سنة 2016 التي لم تقدّم حلولاً حقيقيّة لمشكلة البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعية للفئات محدودة الدخل. يسترسل الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان قائلاً إنّ قراءة الإحصائيات الأخيرة لسنة 2015 ستفضي إلى استنتاج واحد، وهو وصول البلاد إلى مرحلة الاختناق على الصعيد الاقتصاديّ، فالعجز ناهز 6%، أما نسبة الفقر فقد بلغت مستويات قياسيّة في المحافظات الغربية للبلاد وبالخصوص في محافظتي القصرين وسيدي بوزيد لتبلغ ضعف المعدّل الوطني تقريباً إلى ما يناهز 28%. ليس هذا فحسب، بل بلغت معدّلات بطالة خرّيجي الجامعات 48% في القصرين التي قدّمت خلال ثورة يناير 2011 النصيب الأكبر من الشهداء والجرحى.
يضيف بن سليمان أنّ الحكومات المتتالية منذ خمس سنوات انتهجت سياسة غريبة تقوم على التجاهل والتسويف لمطالب أهالي الجهات المحرومة، حيث لم تتجاوز نسبة الاستثمار العموميّ والخاصّ في تلك المناطق ذات الأولويّة مجتمعة 13%، واكتفت السلطات بالتعامل الأمني أو المماطلة مع كلّ تحرّك احتجاجيّ.
عاشور القاهري، أحد الشباب المعتصمين في مقرّ محافظة القصرين، واحد من آلاف الشباب الذين ظلّوا يجترون اليأس منذ تخرّجهم من الجامعة، وإن كانت ثورة سنة 2011 قد بعثت فيه الأمل، إلاّ أنّ خيبته اليوم لا توصف نظراً لاستمرار السياسات نفسها للحكومات المتعاقبة والتي لم تقدّم شيئاً يذكر للجهة ككلّ. ويضيف عاشور أنّه "حتّى هذه اللحظة، تواصل الحكومة المماطلة وتسويف المعتصمين".
أمّا الشابة نزيهة التي انضمّت للمعتصمين داخل مقرّ الولاية بعد بطالة ناهزت العشر سنوات، فتؤكّد على أنّها فقدت الثقة تماماً في قدرة هذه الحكومة على إيجاد حلّ حقيقيّ لمشكلة البطالة والفقر في الجهة. لتضيف أنّ الأهالي لم يتوقّفوا يوماً عن المطالبة بحدّ أدنى من الاهتمام بمحافظتهم التي سجّلت مستويات قياسيّة في نسبة البطالة، إلاّ أنّ السياسيّين كانوا منشغلين بحساباتهم الانتخابيّة وتحالفاتهم ونصيب كلّ منهم من كعكة السلطة التي لم تكن لتصلهم لولا شهداء القصرين الذين سقطوا من أجل المطالب التي تُرفع اليوم من جديد.
هذه الانتفاضة التي رفعت شعار التشغيل كمطلب رئيسيّ في جميع التحرّكات، لم تكن بمعزل عن مواقع التواصل الاجتماعيّ لينتشر هاشتاغ ضمن حملة مساندة وحشد للمتظاهرين تحت عنوان "#التشغيل_استحقاق_ يا_عصابة_السرّاق".
مدينة باجة التي كانت مسرحاً لمواجهات عنيفة بين قوّات الأمن والمتظاهرين طوال يوم الخميس الماضي، شهدت محاولة انتحار لشاب من أصيلي المدينة احتجاجاً على وضعيته التشغيليّة الهشّة ضمن ما يعرف بعمّال الحضائر. وقد أكّد زياد عزّوز، أحد المشاركين في التحرّك، أنّ إقدام الشاب على محاولة الانتحار كان فاتحة لبداية المواجهات والتصعيد، ليعمد المتظاهرون إلى اقتحام مقرّ المحافظة واحتلاله ولتبدأ بعدها مباشرة المواجهات مع رجال الشرطة والتي استمرّت حتّى المساء.
محافظة الكاف بدورها، شهدت تحرّكاً احتجاجيّاً مماثلاً، رفع مطالب شباب القصرين، وقد أشار الشاب مهدي رباعي إلى أنّ المعطّلين عن العمل في الجهة ضاقوا ذرعاً بمماطلة الحكومة، فالمسؤولون لم يلقوا بالاً لاحتجاجاتهم المتواصلة منذ أشهر والتي كان آخرها إضراب الجوع الذي نظّمته ثلّة من شباب اتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطّلين عن العمل والذي استمرّ ثلاثة وثلاثين يوماً حتّى تدهورت صحّة المضربين.
اقرأ أيضاً: برامج التشغيل التونسية: مسكّنات مع غياب الحلول الجذريّة للبطالة
كلّ المؤشّرات كانت تنذر بقرب موجة من التحرّكات الاحتجاجيّة، خصوصاً مع تفاقم الأزمة الاقتصاديّة وخيبة المواطنين من موازنة سنة 2016 التي لم تقدّم حلولاً حقيقيّة لمشكلة البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعية للفئات محدودة الدخل. يسترسل الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان قائلاً إنّ قراءة الإحصائيات الأخيرة لسنة 2015 ستفضي إلى استنتاج واحد، وهو وصول البلاد إلى مرحلة الاختناق على الصعيد الاقتصاديّ، فالعجز ناهز 6%، أما نسبة الفقر فقد بلغت مستويات قياسيّة في المحافظات الغربية للبلاد وبالخصوص في محافظتي القصرين وسيدي بوزيد لتبلغ ضعف المعدّل الوطني تقريباً إلى ما يناهز 28%. ليس هذا فحسب، بل بلغت معدّلات بطالة خرّيجي الجامعات 48% في القصرين التي قدّمت خلال ثورة يناير 2011 النصيب الأكبر من الشهداء والجرحى.
يضيف بن سليمان أنّ الحكومات المتتالية منذ خمس سنوات انتهجت سياسة غريبة تقوم على التجاهل والتسويف لمطالب أهالي الجهات المحرومة، حيث لم تتجاوز نسبة الاستثمار العموميّ والخاصّ في تلك المناطق ذات الأولويّة مجتمعة 13%، واكتفت السلطات بالتعامل الأمني أو المماطلة مع كلّ تحرّك احتجاجيّ.
عاشور القاهري، أحد الشباب المعتصمين في مقرّ محافظة القصرين، واحد من آلاف الشباب الذين ظلّوا يجترون اليأس منذ تخرّجهم من الجامعة، وإن كانت ثورة سنة 2011 قد بعثت فيه الأمل، إلاّ أنّ خيبته اليوم لا توصف نظراً لاستمرار السياسات نفسها للحكومات المتعاقبة والتي لم تقدّم شيئاً يذكر للجهة ككلّ. ويضيف عاشور أنّه "حتّى هذه اللحظة، تواصل الحكومة المماطلة وتسويف المعتصمين".
أمّا الشابة نزيهة التي انضمّت للمعتصمين داخل مقرّ الولاية بعد بطالة ناهزت العشر سنوات، فتؤكّد على أنّها فقدت الثقة تماماً في قدرة هذه الحكومة على إيجاد حلّ حقيقيّ لمشكلة البطالة والفقر في الجهة. لتضيف أنّ الأهالي لم يتوقّفوا يوماً عن المطالبة بحدّ أدنى من الاهتمام بمحافظتهم التي سجّلت مستويات قياسيّة في نسبة البطالة، إلاّ أنّ السياسيّين كانوا منشغلين بحساباتهم الانتخابيّة وتحالفاتهم ونصيب كلّ منهم من كعكة السلطة التي لم تكن لتصلهم لولا شهداء القصرين الذين سقطوا من أجل المطالب التي تُرفع اليوم من جديد.
هذه الانتفاضة التي رفعت شعار التشغيل كمطلب رئيسيّ في جميع التحرّكات، لم تكن بمعزل عن مواقع التواصل الاجتماعيّ لينتشر هاشتاغ ضمن حملة مساندة وحشد للمتظاهرين تحت عنوان "#التشغيل_استحقاق_ يا_عصابة_السرّاق".
مدينة باجة التي كانت مسرحاً لمواجهات عنيفة بين قوّات الأمن والمتظاهرين طوال يوم الخميس الماضي، شهدت محاولة انتحار لشاب من أصيلي المدينة احتجاجاً على وضعيته التشغيليّة الهشّة ضمن ما يعرف بعمّال الحضائر. وقد أكّد زياد عزّوز، أحد المشاركين في التحرّك، أنّ إقدام الشاب على محاولة الانتحار كان فاتحة لبداية المواجهات والتصعيد، ليعمد المتظاهرون إلى اقتحام مقرّ المحافظة واحتلاله ولتبدأ بعدها مباشرة المواجهات مع رجال الشرطة والتي استمرّت حتّى المساء.
محافظة الكاف بدورها، شهدت تحرّكاً احتجاجيّاً مماثلاً، رفع مطالب شباب القصرين، وقد أشار الشاب مهدي رباعي إلى أنّ المعطّلين عن العمل في الجهة ضاقوا ذرعاً بمماطلة الحكومة، فالمسؤولون لم يلقوا بالاً لاحتجاجاتهم المتواصلة منذ أشهر والتي كان آخرها إضراب الجوع الذي نظّمته ثلّة من شباب اتحاد أصحاب الشهادات العليا المعطّلين عن العمل والذي استمرّ ثلاثة وثلاثين يوماً حتّى تدهورت صحّة المضربين.
اقرأ أيضاً: برامج التشغيل التونسية: مسكّنات مع غياب الحلول الجذريّة للبطالة