اقرأ أيضاً: تونس بعد زلزال سوسة: حزم حكومي بمواجهة التهديدات
وسُجل أول اختبار لحالة الطوارئ في قابس جنوب شرقي البلاد، حين تدخلت قوات الأمن بالقوة يوم الأحد لفك اعتصام مجموعة من الشباب على سكة قطار نقل الفوسفات، مستخدمة الغاز المسيل للدموع، واعتقلت على الإثر عددا من المحتجين قبل أن تطلق سراحهم لاحقاً.
وفي اليوم نفسه، قامت فرق أمنية عديدة بإغلاق عدد من المساجد غير القانونية في مدن متباعدة من تونس كمحافظة بحاجة شمالاً وجلمة في الساحل والحمامات ونابل، وغيرها من المدن.
وبموازاة ذلك، أعلنت السلطات عن اعتقال عدد من المشتبه بعم بالمشاركة في عملية سوسة، كما أعلن وزير الداخلية عن تفكيك شبكة بجزيرة جربة السياحية جنوبي تونس. وقالت مصادر مطلعة فضلت عدم نشر اسمها لـ"العربي الجديد" إن الاعتقالات لا تقتصر على خلية جربة وحدها، وإنما شملت خلايا أخرى لم يعلن عنها حتى الآن، كما جرى أيضاً اعتقال عدد من المتشددين في مدن تونسية.
وقالت المصادر السياسية نفسها إن تونس تجاوزت بسلام يوم الأحد الماضي، الذي كانت تحوم حوله مخاوف كبيرة من احتمال وقوع عمليات إرهابية استعراضية للإرهابيين، نظرا لاقتران هذا الموعد بذكرى غزوة بدر من ناحية، ولوجود تهديدات حقيقية أُعلن عن نية تنفيذها في هذا اليوم، دون أن يعني هذا تجاوز مخاطر وقوع ضربات أخرى فيما تبقى من رمضان، وربما بعده.
وأكدت المصادر أن البلاد تعتبر هذه الأيام بمثابة ساحة أمنية كبيرة، تتداخل فيها الجهود الأمنية التونسية مع الأجنبية، يعود بعضها إلى إبلاغ تونس بما لديها من معلومات، والبعض الآخر إلى التحقيق فيما جرى في سوسة، في إشارة الى "سكوتلاند يارد" ( الشرطة البريطانية) التي وصل منها محققون كثيرون الى تونس. وأكد مصدر مطلع على التقاليد البريطانية أنه سيكون على الحكومة في لندن أن تقدم تقريراً مفصلاً وتحقيقاً مع كل من له صلة بالاعتداء من قريب أو بعيد، مؤكداً أن الحكومة البريطانية لم تعلن بعد أي تحذير أو منع بالسفر على رعاياها إلى تونس، على الرغم من وضع عدد من النقاط الساخنة في خانة التنبيه، و لكنها في مقابل ذلك ستتأكد "بنفسها" من وجود شروط السلامة الضرورية والوقاية من عدم تكرار ما حصل، لأن عدد الضحايا البريطانيين كان الأكثر ارتفاعاً من أي حادث إرهابي آخر سقط فيه بريطانيون في الوقت نفسه.
ورغم الصدمة البريطانية القوية مما جرى، فإنّ ردّ الحكومة البريطانية يُعتبر إيجابياً جداً، بحسب المصدر نفسه، وكان متوقعاً أن تصدر مباشرة بعد الاعتداء منعاً من السفر إلى تونس، ولكن يبدو أن الرهان السياسي على مجريات الأحداث في تونس وارتباطها بالشأن الليبي دفعا حكومة لندن الى ضبط النفس، وعدم ترك تونس لوحدها في هذه المعركة الكبرى.
وأكدت المصادر أن أجهزة استخبارات دول عديدة زارت تونس في الآونة الاخيرة، فيما أرسلت أخرى معلومات وتحذيرات للحكومة التونسية، ومنها الاستخبارات الإيطالية والجزائرية علاوة على الفرنسية والأميركية. وتتعامل تونس، بحسب المصدر نفسه، بإيجابية كبيرة مع حركة التبادل الاستخباراتي الدولية، خصوصاً مع التحقيقات التي تجريها "سكوتلانديارد".
وتساءل سياسيون بارزون تحدثت إليهم "العربي الجديد" عن شبكة المراقبة الإلكترونية للشوارع والمدن التونسية. وقال أحد هؤلاء إن ثقل الادارة التونسية والبيروقراطية عطلت مشروعاً لتركيز كاميرات مراقبة منذ نحو أربعة أشهر، وأن الملف الذي عرضته شركة دولية متخصصة ما زال يراوح مكانه بين المكاتب الوزارية في تونس.
وفي هذا الإطار، عبر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في كلمته إلى الشعب عن "ألمه" من تراجع مستثمر كبير كان سيخلق آلاف مواطن الشغل إلى بلد آخر، لأن ظروف الاستثمار غير متوفرة في الوقت الراهن في تونس. وعلمت "العربي الجديد" أن المستثمر هو شركة "بيجو" الفرنسية، وأن البلد الذي توجهت إليه عِوَض تونس هو المغرب.
وكان وزير الداخلية السابق لطفي بن جدو قد أكد في حوار مع "العربي الجديد" أن تونس "ستبدأ بتجهيز المدن بكاميرات مراقبة، بدءاً من شهر يناير/كانون الثاني الماضي"، مشيراً إلى أن اعتماداتها التي تقدّر بـ150 مليون دينار (82 مليون دولار أميركي) موجودة.
وأضاف بن جدو أنه في غضون سنوات، ستجهز كل المدن بكاميرات مراقبة في كلّ الشوارع، على غرار الدول المتقدّمة، ما سيمكّن من مراقبة المخالفين في المرور والحدّ من السرقة ومراقبة كلّ أنواع التجاوزات والتعرّف السريع على هويّات المخالفين، من خلال قاعات عمليّات مجهّزة، ستمكّن من تقليص عدد الدوريات وإفساح المجال للأمنيين للقيام بمهام أخرى، وعدم استنزافهم في مهمات بسيطة، يُمكن أن تُنجز إلكترونياً مع بداية تجهيز المدن بالكاميرات، بدءاً من إقليم تونس الكبرى والمدن المحاذية للجبال، وصولاً إلى كلّ المدن الأخرى".
ومع أن الأجهزة الأمنية التونسية قامت بعمليات استباقية أحبطت خلالها العديد من العمليات الإرهابية الكبرى التي كانت تستهدف مؤسسات حساسة، وعلى الرغم من اعتقال نحو ألف مشتبه به منذ عملية باردو، فإن جهود الحكومة تبقى منقوصة طالما لم ينخرط عموم التونسيين في هذه الحرب، بحسب رأي الحكومة ووفق تأكيد الخبراء، خصوصاً رجال الأعمال وأصحاب المحلات التجارية والشركات الكبرى وأصحاب الفنادق.
اقرأ أيضاً: سيّاح الحمامات لم يغادروا تونس رغم التهديدات