تشهد الساحة النقابية تطورات مهمة جدا بالنسبة للمشهد التونسي، بعد الخلاف الذي جدّ بين القيادة النقابية المركزية، ممثلة في المكتب التنفيذي، ونقابة التعليم الثانوي.
فبعد تصعيد النقابة من نسق احتجاجاتها، والدعوة إلى إضراب عام مفتوح، الأسبوع المقبل، لغاية الإطاحة بوزير التعليم، ناجي جلّول، أصدر المكتب التنفيذي بيانا رفض فيه الإضراب وتعليق الدروس الذي أقرته النقابة بدءاً من يوم 27 مارس/آذار الجاري.
وأوضح البيان أن المكتب "يعوّل على كافة هياكل التعليم الثانوي النقابية وكلّ المدرّسين لمواصلة العمل والتشاور لمتابعة تحقيق مطلبهم المشروع بإيجاد بديل على رأس وزارة التربية"، مشدّدا على أن "إصلاح التعليم شأن غير خاضع للتجاذبات السياسية".
واعتبر كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، أن البيان "سابقة خطيرة، في الوقت الذي يتعرض فيه المربون لأبشع هجمة عنف مادي ولفظي"، داعيا المربين إلى "ضبط النفس وعدم التفاعل مع هذا البيان بأي مستوى من التجريح، أو النيل من أعضاء المكتب التنفيذي".
كما دعا في تدوينة له على "فيسبوك" إلى "التعاطي مع البيان داخل الأطر النقابية، وتوحيد الموقف القطاعي".
واجتمعت النقابة، أمس الأحد، استثنائيا، وقررت الإبقاء على مبدأ الإضراب المفتوح، في انتظار إقراره نهائيا، اليوم الاثنين. ورأى بيان للنقابة "أن من حق المدرسين الدفاع عن المطالب المشروعة بكل الأشكال النضالية"، معتبراً أن موقف المكتب التنفيذي المخالف لقرار تعليق الدروس "ليس إلا مظهرا من مظاهر الصراع الديمقراطي، ولا يمكن طرحه إلا داخل أطر منظمة الشغيلة".
ورفض ما وصفه بالتهجم والتصريحات الانفعالية ودعوات الانسلاخ عن الاتحاد، مؤكدا التشبّث بالاتحاد العام التونسي للشغل، باعتباره المظلة الوحيدة القادرة على التصدي لكل الخيارات اللاوطنية، بحسب نص البيان.
كما انتقد البيان "مواقف بعض الأحزاب السياسية التي تصنف النقابيين حسب محرار الوطنية". إذ أشادت حركة نداء تونس ببيان الاتحاد العام التونسي للشغل الرافض لقرار تعليق الدروس، واصفة إياه بـ"الموقف الشجاع". ودعت الحركة، في بيان لها، كل الأطراف الوطنية الفاعلة، وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل، إلى استئناف حوار وطني جدي ومسؤول حول قضايا التربية والتعليم، بما ينسجم مع تطلعات كل التونسيين نحو مدرسة عمومية متطورة وتعليم متأقلم مع العصر وقيم التقدم.
وتعكس هذه المواقف صراعات كبيرة داخل المنظمة النقابية، قلّل الكاتب العام لنقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، من أهميتها، مشدّدا على وحدة المنظمة. وقال في تصريح متلفز: "نتعاطى بديمقراطية داخل المنظمة، والترويج لصراعات هي مراهنات واهمة"، مشيرا إلى أن بعض الأطراف السياسية سارعت إلى استثمار هذا الخلاف بتصنيف النقابيين بين وطنيين وغير وطنيين بهدف إضعاف المنظمة، وهو وهم واصطياد في الماء العكر".
وسبق للسعد اليعقوبي أن تقدم للمؤتمر الأخير لاتحاد الشغل بقائمة منافسة لقائمة نور الدين الطبوبي، ولكنه لم ينجح في ذلك، إذ فازت قائمة الطبوبي بإجماع كبير، ما دفع بعض المراقبين إلى توقع خلافات بين الفريقين.
وتواجه القيادة المركزية للاتحاد اختبارا حقيقيا للحفاظ على وحدة المنظمة من جهة، وفرض خياراتها الكبرى على كل هياكلها من جهة أخرى. إذ يعتبر الإضراب العام المفتوح بهدف إسقاط وزير التعليم ملفا شعبيا كبيرا يزعج العائلات التونسية، ويمثل خيارا سياسيا بامتياز. وهو خيار يجري بحثه مع الحكومة في إطار وثيقة قرطاج التي يُعتبر الاتحاد أحد ركائزها. لكن الحكومة ترفض إبعاد الوزير تحت ضغط النقابة، لأن ذلك يضعفها كثيرا، ويفتح أمامها طلبات مماثلة في قطاعات أخرى.
وأيا تكن نتائج هذا الأمر، فإنه يكشف عن تطورات جديدة في المشهد النقابي من جهة، والسياسي عموما، وتكون نتائجه حاسمة بالنسبة للقيادة النقابية الجديدة داخل إطار المنظمة من ناحية، وفي علاقتها بالحكومة والمشهد العام من ناحية أخرى.