تتجه حركة النهضة نحو تغيير موقفها، من ترشح رئيس الحكومة التونسية الحالي يوسف الشاهد للانتخابات الرئاسية.
وبعد أن طالب رئيس النهضة، راشد الغنوشي، ومجلس شوراها، الشاهد صراحة بتوضيح نيته بشأن الترشح للرئاسة، عدلت أخيرا في موقفها، واعتبرت أن المسألة لم تعد بالأهمية البالغة التي ترهن دعمها له لمواصلة قيادة الحكومة إلى غاية إجراء الانتخابات من عدمه.
وتواترت تصريحات قيادات حركة النهضة بشأن اعتزام الشاهد التقدم للموعد الرئاسي وخوض الانتخابات، لتنتقل من الرفض القطعي والدعم المشروط بعدم الترشح، إلى ترك القرار له واعتبارها مسألة هامشية.
ويثير ذلك علامات استفهام عدة حول الأسباب التي غيرت موقف النهضة الجازم سابقا، وخاصة الغاية من هذا التعديل.
وتعتبر النهضة مسألة ترشح الشاهد من عدمه قرارا شخصيا، ويندرج ضمن حقوقه المدنية والسياسية المكفولة له بالدستور، وفق تصريحات للقيادي محمد بن سالم، الذي أكد أن النهضة "تجاوزت هذا الأمر ولم تعد تلقي له أهمية كبرى".
ورغم أن الشاهد، في إطار محاولة رأب الصدع بينه وبين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، قبيل التعديل الوزاري، واستفحال الأزمة بينهما، نقل عبر رئيس حركة النهضة تعهدا بأن لا يترشح للرئاسة، غير أن قائد السبسي لم ينه الخلاف، وفق تصريحات القيادي ذاته.
وقد يدفع تسلسل هذه التصريحات إلى الاعتقاد بأن مطلب عدم ترشح الشاهد للرئاسة لم يكن طلب النهضة منذ البداية، بل رفعته نيابة عن حليفها سابقا السبسي، وتخلت عنه بعد أن رجحت كفة رئيس الحكومة في الخلاف وتشكيله حزاما برلمانيا أغلبيا يحيط به، وضمانه تمرير وزرائه الجدد في التعديل الأخير، وهي الأغلبية ذاتها التي ستضمن له أيضا تمرير مشروع قانون المالية للسنة المقبلة.
وذكر نائب رئيس حركة النهضة علي العريض، لـ"العربي الجديد"، أن التزام الشاهد بعدم الترشح في الانتخابات المقبلة يشكل بندا متفقا عليه بين جميع المنخرطين في صلب وثيقة قرطاج 2، التي اقتضت اشتراط عدم ترشح رئيس الحكومة، إن تغيرت كليا أو جزئيا، للانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتمسكت بها النهضة انطلاقا من التزامها مع الموقعين على الوثيقة.
وقال نائب رئيس الحركة بوضوح إن "مساندة النهضة لم تعد مرتهنة لهذا الشرط، ولم تعد نقطة ذات أولوية في علاقتها به".
وأوضح العريض أن "النهضة عدلت موقفها جزئيا، فلئن كانت لا تزال ترى أن الحكومة يجب أن تشغل نفسها بالقضايا الأساسية، على غرار الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والعدالة الانتقالية، والإعداد لانتخابات سنة 2019، وألا يكون في عملها ما يبرز أنها تتبنى خطابا انتخابيا، أو تقوم بحملة انتخابية، فإن ذلك يفضي إلى ألا تكون معنية بالترشح".
ورأى المتحدث أن "ذلك يدخل في باب المحبذ والأفضل للحكومة، كشرط لنجاح أعمالها، لا في باب الإلزام والاشتراط مقابل الدعم السياسي".
وأضاف أن هناك حوارا متواصلا داخل النهضة بين من يرى أن نجاح الحكومة مرتبط بالتفرغ كليا للقضايا الهامة وتفادى الخوض في الاستحقاقات الانتخابية، فيما يعتبر شق آخر أن "معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية لا ينفي رغبة أعضاء الحكومة في الترشح".
إلى ذلك، قدّر رئيس الكتلة البرلمانية للنهضة نور الدين البحيري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الخوض في المسألة في حد ذاته يعد نفخا في رماد أزمة سياسية استنفدت الجهود لإخمادها وإنهائها"، وأشار إلى أن "الوضع اليوم لم يعد يحتمل أزمات تزلزل الاستقرار السياسي والحكومي بعد أزمة تطلبت جهود الحريصين على حماية مسار الانتقال الديمقراطي، من بينهم النهضة"، في تلميح إلى وساطة الغنوشي بين رأسي السلطة التنفيذية في البلاد.
ويرى مراقبون أن النهضة، التي تابعت عن كثب مجريات الخلاف بين رأسي السلطة التنفيذية، لا سيما تغير موقف برلمانيين وقيادات سياسية، كانت في صف قائد السبسي لتصطف وراء الشاهد، وإثر تكوينه حزاما نيابيا أكسبه المعركة، واعتزامه تكوين تشكيل سياسي يخوض به الانتخابات، غيرت موقفها في اتجاه رفع تحفظاتها على ترشحه، باعتباره سيكون حليف المرحلة المقبلة من التوافق بدل النداء، الذي أنهى التوافق معها قبيل الانتخابات.