تونس.. المخدرات ضيف البرلمان المتجدد

21 مايو 2015
+ الخط -
من المنتظر أن تقدّم وزارة العدل التونسية مشروع قانون جديد، متعلق بالوقاية والعلاج من تعاطي المخدرات ومكافحة التعامل غير المشروع بها، على طاولة البرلمان التونسي في الأيام القليلة القادمة.

آفة تعصف بالمجتمع التونسي، ولا تقلّ خطورة عن ظاهرة الإرهاب، حيث تؤكد إحصائيات مراكز الإيقاف في تونس، أنها تحتوي ما لا يقل عن 8 آلاف موقوف في قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكا وترويجا، لنجد 8000 شاب تونسي دخلوا السجن بسب استهلاك أصناف متباينة من المواد المخدرة، بخاصة "الزطلة"/الحشيش وذلك وفقا لدراسة أجرتها جمعية "فورزا تونس"، وتوضح الدراسة أن 30% من مستهلكي مادّة القنب الهندي هم من الإناث، وأن 54 بالمائة نسبة تعود إلى السجون بسبب استهلاك هذه المادة.

ورغم تضارب نسب مستهلكي المخدرات في تونس، وغياب أرقام رسمية وإحصائيات دقيقة فإنّ بعضها يؤكد أنّ نسب تعاطي المخدرات في صفوف الشباب، تبلغ قرابة 30 بالمائة بين الفئة العمرية بين 13 و35 سنة، أي أنّ هناك أكثر من مليون مستهلك لهذه المواد المخدرة في تونس.

تعتبر هذه الإحصائيات بمثابة جرس الإنذار للجمعيات الوقائية من خطر المخدرات، فقد انطلقت التحركات الميدانية في تونس منذ مارس/أذار 2014، حيث أطلق مجموعة من المحامين والأطباء ونشطاء المجتمع المدني مبادرة تحمل عنوان "السجين 52"، تهدف إلى تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق باستهلاك المخدرات ومراجعة العقوبات المتعلقة باستهلاك مادّة القنب الهندي "الزطلة" أساسا، وتعويض العقوبة السجنية بنظام علاجي وقائي وإصلاحي يحمي شبابنا من خطر الإدمان خصوصا وأنّ القانون الحالي لم يمنع تنامي هذه الظاهرة.

ربما تكون هذه المعضلة سببا لقض مضاجع المسؤولين والدولة التونسية لما تجره من مخاطر تهدد أمن المجتمع وسلمه، فهي آفة ستفتك بتونس وستساهم في انتشار الجريمة والفواحش لما تكشفه من عورات للمجتمع، وما تخلفه من تفكك في الكيان الأسري وتمزق في منظومة القيم والأخلاق، وقد تكون السبب الرئيسي في انتشار اليأس والكآبة والانتحار وخصوصا أنّ تونس عرفت في الآونة الأخيرة تزايداً في حالات الانتحار، واللافت في ذلك أنّ قائمات المنتحرين تضمّ أطفالا.

فقد أعلنت مؤخرا منظمة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن دراسة تؤكد تزايد حالات ومحاولات الانتحار خلال سنة 2014 الماضية، لتبلغ 153 حالة انتحار و50 محاولة انتحار في ظلّ غياب إحصاءات رسمية من وزارة الصحة.

كلّها أرقام مرعبة تكاد تصبح كالرماد البركاني المحرق الذي سيولدّ انفجاراً مجتمعياً وطبقياً كبيراً، فمن المعلوم أنّ الإقبال على تعاطي المخدرات هو سلوك يلجأ إليه الفرد تحت تأثير عوامل نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية قسرية، تجبره على الهروب من واقع يراه معدماً إلى واقع يلغي فيه جميع الأطر والتنظيمات في غياب تام للوازع الديني والأخلاقي، ولا تكون سوى المتعة الوقتية هي سيدّة الموقف، فالاعتقاد الخاطئ بأنّها تساعد على النسيان وإزالة القلق والتوتر وتقليص الضغوط القمعية هو كلّ ما يفكرّ فيه مستعملو هذه المواد المخدرة.

تعددت الأسباب ولكنّ النتيجة واحدة، فغياب الرقابة الأسرية النواة الأولى في المجتمع التي أطلقت العنان للحرّيات بدون وسائل متابعة ناجعة خارج محيط العائلة، كما أنّ تهرّؤ المنظومة التعليمية التي لم تعد تعتني بالجانب التربوي بل تقتصر على الجانب التعليمي السطحي، والذي عرف تراجعا في قيمته العلمية نتيجة ضعف المناهج المقدّمة، إضافة إلى هشاشة البرنامج الديني الموجه للشباب الذي تهرّأ منذ عقود جرّاء إغلاق جامعة الزيتونة التونسية في عهد الدكتاتورية، هيأت أرضية خصبة ساهمت في تفشي وتنامي ظاهرة المخدرات خصوصا عند الشباب.

ورغم الإقرار بخطورة هذه الظاهرة وما تنشره الإحصائيات وتحذر منه الدراسات عن تزايد نسب المدمنين، خصوصا من فئة الشباب، تفتقر تونس إلى الجانب الوقائي والعلاجي فلا تمتلك الدولة التونسية إلى الآن سوى بعض القوانين الردعية التي يمكنها أن تزج بمن أخطأ مرّة في خندق المدمنين.

فهل سيكون البرنامج المقدّم من طرف وزارة العدل التونسية، والذي قدّمه وزير العدل خلال ندوة صحفية الأسبوع المنقضي، طوق نجاة ومرحلة جديدة ستنتهجها الدولة لإنقاذ شبابها وإطفاء لهيب هذه الآفة المدّمرة، خصوصا وأنّ أهم المحاور والتوجهات التي سيعتمدها مشروع القانون الجديد المتعلق بالوقاية والعلاج من تعاطي المخدرات، ومكافحة التعامل غير المشروع بها والمنقح للقانون عدد 52 لسنة 1992 والمؤرخ في 18 ماي 1992، المتعلق بالمخدرات هي بمثابة سنّ مفاهيم جديدة في التشريع، قائمة على مبدأي الوقاية والعلاج في مكافحة تعاطي المخدرات ولا سيما أن المقاربة القديمة القائمة على الشدّة والصرامة في العقاب لم تحل دون تنامي ظاهرة انتشار المخدرات، أي أنها ستجمع المقاربة الصحية والاجتماعية إزاء مستهلكي المواد المخدرة، وذلك باعتبارهم مرضى من جهة يستحقون العلاج والإحاطة الاجتماعية والنفسية دون إعفائهم من تحمل المسؤولية الجزائية عند الاقتضاء من جهة أخرى.

ولعلّ ما يلفت الانتباه في أبواب مشروع القانون الجديد المقدّم، هو مقترح إحداث هيئة وطنيّة ولجان جهويّة للتعهّد والإحاطة بمستهلكي المخدرات، تشرف على تنفيذ العلاج والمراقبة الطبيّة، إضافة إلى تقنين التحاليل البيولوجيّة في مجال استهلاك المخدرات، وذلك حماية للمشتبه فيه من جهة وتحديدا لمسؤوليات الأطراف المتدخلة من جهة ثانية، كما يتضمن المشروع المقدّم إجراءات جديدة للمبتدئين من المستهلكين على غرار الإفراج المشروط بقبول مبدأ العلاج بصفة مبكّرة، والمتابعة الصحيّة والاجتماعيّة والنفسيّة والإسعاف من تنفيذ العقاب البدني، وإمكانيّة استبدال عقوبة السجن بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامّة اقتداءً بتجارب الدول الشقيقة.

ومن أهم النقاط المعروضة هي الشروع في إحداث مرصد وطني للإحصاء والإعلام والتوثيق والدراسات والبحوث في مجال المخدرات والإدمان.

يبقى الوضع الحالي رهين قرار المشرّع التونسي "مجلس نواب الشعب"، ومدى وعي وإرادة المجتمع والنخب السياسية والمثقفة والمجتمع المدني لمجابهة آفة الانتحار البطيء الذي جرف الشباب طوعا وكرها، فامتزجت المعرفة بالحيرة والقدرة بالتعصب، فالأرقام نعم تضاعف المخاوف، لكّنها غير كافية لتغيير واقع يكاد يفتك بتونس فانتشار عدم المساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإقصاء الشباب من مراكز القرار، كلها عوامل تؤدي إلى تفاقم الوضع لأن هذه الظاهرة بالأساس ترتكز على الأبعاد التربوية والاجتماعية والثقافية والنفسية والمجتمعية، فعلينا حماية اللبنة الأساسية"الشباب" لمجتمعاتنا لضمان مستقبل أفضل.

(تونس)
المساهمون