وصلت معركة المعارضة مع الحكومة في تونس حد الدعوة إلى انتخابات مبكرة، ومع تصاعد الاحتجاجات في عدد من الجهات التونسية وتوسع رقعتها، توقّع كثير من أحزاب المعارضة سقوط حكومة يوسف الشاهد سريعًا.
ولم تفلح تصريحات الشاهد، يوم الأحد الماضي، في تخفيف حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد. وعلى العكس من ذلك، خرجت بعض شخصيات المعارضة تنتقد هذه التصريحات، وتدعو مناصريها إلى الالتحاق بالمحتجين.
وأمام هذا الوضع الذي ينذر بأزمة سياسية كبيرة، قرر الشاهد أن يتحدى الجميع ويغيّر من استراتيجيته في مواجهة دعوات إقالته، وبدأ، اليوم الخميس، في زيارة ستقوده إلى عدد من الجهات، بدءًا بمحافظة صفاقس، ثاني أكبر مدن البلاد بعد تونس.
ولم يكن هذا الاختيار اعتباطيًّا، فصفاقس هي أهم المراكز الاقتصادية في البلاد، وتضم أكثر رجال الأعمال المؤثرين في المجال الاقتصادي، علاوة على تأثيرها المعروف في المشهد السياسي والانتخابي عمومًا.
ويبدو أن الشاهد قرّر أن يضرب بقوة، معلنًا لدى وصوله إلى مطار صفاقس، صباح اليوم، أن هذه المحافظة "لم تأخذ حظها من التنمية، وحان الوقت لرد الاعتبار لهذه الجهة من خلال حزمة من المشاريع والقرارات". وبدأ الشاهد بأكثر النقاط السوداء التي تشتكي منها صفاقس تاريخيًّا، مقررًا "تفكيك الوحدات الملوثة بمصنع السياب فورًا، وإيقاف كل إنتاج ملوث، مع استصلاح الموقع وطابية الفسفوجيبس، والانطلاق في برنامج استثماري ضخم يقدر بـ75 مليون دينار".
وأعلن الشاهد أن "الفضاء الذي سيعوّض هذا المصنع الملوث سيحتوي على قطب تكنولوجي، ومركز بحث وتكوين، ومركز رياضي"، مع الإشارة إلى المحافظة على حقوق العمال في هذا المصنع.
وبالتوازي مع ذلك، أعطى الشاهد إشارة انطلاق أشغال بناء المستشفى الجامعي الجديد بصفاقس باعتمادات تقدر بـ120 مليون دينار، تنتهي الأشغال فيها في ديسمبر/كانون الأول 2019.
من جهة أخرى، أكد كاتب الدولة المكلف بأملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كرشيد، اليوم، أن 121 حيًّا في ولاية صفاقس ستدخل في إطار التمليك، وهو مشروع ضخم سيشمل مئات الأحياء الشعبية في تونس التي تم تشييدها منذ عقود بطريقة عشوائية، وأحدثت مشاكل عقارية وقانونية كبيرة لم يتم حلها إلى اليوم.
ولكن كورشيد أوضح، في تصريح إذاعي، خلفية هذه الزيارة السياسية، وهدفها الحقيقي، عندما قال "إن إعادة بناء الثقة بين مؤسسات الحكم والطبقات الشعبية أهم ما ينجز في هذه المرحلة".
ويبدو أن الشاهد، وأمام غياب الدعم الفعلي لأحزاب الائتلاف في الجهات وبين المحتجين، قرّر أن يتحوّل بنفسه إلى هؤلاء، وخصوصًا أنه يلعب كل أوراقه في الدفاع عن حكومته، ويبدو أن معنوياته سجلت ارتفاعًا مهمًّا بعد الدعم القطري وموافقة صندوق النقد الدولي على صرف القسط الثاني من قرض لتونس.
ولم يعلن الشاهد عن قائمة الجهات التي سيزورها، لأسباب أمنية ربما، أو ليفاجئ المعارضة التي قد تنوي إفشال هذه الزيارات.
وفي غضون ذلك، تتواصل الاحتجاجات في عدد من الجهات، حيث دخلت مدينة الكاف، شمال غربي البلاد، في إضراب عام، اليوم الخميس، وانطلقت مسيرة سلمية من أمام مقر الاتحاد العام الجهوي للشغل للمطالبة بالتنمية وحل أزمة البطالة والفقر.
وشهدت مدينة القيروان، وسط البلاد، احتجاجات أخرى أمام مقر المحافظة، بينما يتواصل غضب أهالي تطاوين، جنوب البلاد، منذ أكثر من شهر، مع اقتراب انتهاء مهلة الأسبوع التي منحها المحتجون للحكومة لتقديم تصوّرات عملية تنهي الأزمة في هذه الجهة.