تونس: السبسي يظهر من جديد واستنفار في أحزاب الائتلاف

22 يوليو 2019
عدم ختم الرئيس يعطل قوانين هامة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

ظهر الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، اليوم الإثنين، بعد غياب حوالي أسبوعين منذ خروجه من المستشفى العسكري، واستقبل في شريط فيديو قصير وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، الذي طمأن التونسيين على الوضع الأمني "الجيد" وجاهزية القوات العسكرية والأمنية.

وينهي السبسي بهذا الظهور جدلا استمر أياما بسبب صمته الطويل وعدم ختمه لتعديلات القانون الانتخابي، وامتناعه إلى حد الآن عن تفسير قراره، الذي وصفه كثيرون بخرق للدستور.

وكانت عدة شخصيات سياسية نددت بهذا الصمت وتساءلت عن وضع الرئيس. وأكدت، في هذا الصدد، هالة عمران، النائبة عن كتلة "الائتلاف الوطني" المساندة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، أن هذا الأخير لم يتواصل مع السبسي ومؤسسة رئاسة الجمهورية منذ 10 أو 15 يوما، معتبرة ذلك تعطيلا لدواليب الدولة ومشكلا كبيرا، وفق تعبيرها.

وأكدت عمران، في تصريح لإذاعة "شمس"، أن "المسار الديمقراطي مهدد من أطراف لا علاقة لها بالمؤسسات… وهي لوبيات فساد وتوريث"، مشيرة إلى أن "الخرق" أصبح واضحا للدستور وللأسس الدستورية من قبل رئيس الجمهورية، لافتة النظر إلى أن أطرافا سياسية لا تريد هذا القانون لأنه ليس لفائدتها، حسب قولها.

وقال القيادي في "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الرئيس مر بأوضاع صحية حرجة، والتي تزامنت مع الخميس الأسود. ورغم الكلمة التي قدمها بخصوص دعوة الناخبين، إلا أنّ غيابه عن المشهد العام، خاصة عدم لقائه برئيس الحكومة، دفع إلى الغموض ومزيد من الحيرة، خاصة في ظل عدم إمضائه على التعديلات على القانون الانتخابي وعلى عدد من القوانين المستعجلة، وتقديم تبريرات ودوافع لهذا الرفض".

وأشار إلى أنّ "الوضع الصحي لرئيس الجمهورية من الطبيعي أن يكون محل متابعة، وبإمكان رئيس مجلس نواب الشعب، باعتباره سلطة تشريعية، أن يقدم تطمينات للرأي العام"، موضحا أن "هذه التطمينات مهمة للرأي العام، لأنه في حالة المرض أو التعذر عن القيام ببعض المهام يمكن للرئيس تفويض جزء من مهامه لرئيس الحكومة". كذلك أشار إلى أن تواصل الغموض، وعدم التعليل لما يحصل وسط أنباء عن إمكانية إلقائه كلمة للشعب التونسي، ساهما في مزيد من الإشاعات.



وأضاف أن الأمين العام للتيار الديمقراطي، محمد عبو، دعا إلى "تدخّل النيابة العمومية لنطمئن على صحة رئيس الجمهورية، ولرفع الشكوك من إمكانية أن يكون محل احتجاز أو ضغوطات من عائلته أو محيطه، فالرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والضامن لعلوية الدستور والمنتخب مباشرة من الشعب، ومركزه القانوني هام، وبالتالي غيابه لفترة طويلة له تأثير على مسار الدولة ومؤسساتها".

وكان عبّو ذهب إلى أبعد من ذلك عندما اعتبر أن "تونس في وضع محيّر، فرئيس الجمهورية مبدئيا في قصره، وهو لا يظهر في أي نشاط منذ يوم 5 يوليو/تموز. وعلى مكتبه بعض القوانين التي صادق عليها مجلس نواب الشعب، ومنها قوانين المصادقة على قروض، وقوانين مصادقة على رخص استكشاف محروقات، والقانون المتعلق بنقل الغاز الطبيعي الجزائري عبر البلاد التونسية، وضبط الإتاوة الراجعة لتونس، وقانون الموافقة على اتفاقيات دولية، وغيرها، وهي كلها تنتظر ختمه ليتم نشرها وتنفيذها".

وأضاف عبّو، في تدوينة على صفحته على "فيسبوك"، أنه "قبل ذلك، هناك قانون يتعلق بتنقيح قانون الانتخابات، رفضت الهيئة المؤقتة لمراقبة مشاريع القوانين الطعن بعدم الدستورية، وانتهت كل آجال الرد والعرض على الاستفتاء، ولم يختمه الرئيس، وقدم البعض ذلك على أنه موقف منه، ورئيس الجمهورية عندما يرفض ممارسة صلاحيته المقيدة المتمثلة في ختم قانون، يجعل نفسه في خرق جسيم للدستور، في موضوع لا يمكن لأي كان أن يجد له فيه مخرجا قانونيا".

واستبعد عبو "أن يكون رئيس الجمهورية راغبا في إنهاء فترة رئاسته بفضيحة كهذه، ومن حقنا من دون تجنّ وفي إطار تحليل منطقي، أن نعتقد أنه أصبح غير قادر على القيام بمهامه، أو هو تحت تأثير مقربين منه لهم مصلحة معروفة في رفض القانون، وقد يكونون منعوا عليه وصول كل الوثائق إليه، أو بالأحرى منعوا رئيس الجمهورية من ممارسة مهامه… وهي شكوك جدية، لن ينفيها إلا ظهور الرئيس وإعلامه الجميع أنه قرر عدم الختم، وتحمّله تبعات هذا".

من ناحيته، اعتبر رئيس حزب "مشروع تونس"، محسن مرزوق، أن "الرئيس خرق القانون والدستور… وابن الرئيس (حافظ) هو الذي يتحدث باسمه بعدما تحالف مع صديق عائلة الرئيس (في إشارة إلى نبيل القروي صاحب قناة نسمة)، وهذا لا يحدث حتى في جمهوريات الموز… وهي فضيحة أمام العالم، وخلط هجين بين العائلة والدولة".

وشدّد مرزوق على أن حزبه لن يقبل هذه الممارسات وسيتصدّى لها، قائلا "كل شيء إلا القانون والدستور، لأنه غير هذا ستكون الفوضى والمافيا والخراب. وعندما يخيرونا بين الدولة ومافيا العائلة، فإن اختيارنا واضح وصريح وبدون حسابات".

واستنفر عدم توقيع السبسي على التعديلات عددا من الأحزاب الرافضة، وعبرت حركة "النهضة" في بيان لها عن "انشغالها بعدم ختم التعديلات المنقحة لقانون الأحزاب"، داعية "الكتل البرلمانية والأحزاب إلى المسارعة في الاجتماع والتشاور، من أجل معالجة تداعيات هذه الوضعية، واقتراح الترتيبات المناسبة للخروج منها".

من جهتها، اعتبرت حركة "تحيا تونس" التي يقودها الشاهد أن "عدم ختم القانون الانتخابي من قبل رئيس الدولة، بعد استيفائه جميع الإجراءات الدستورية، وبعد المصادقة عليه من طرف مجلس نواب الشعب، وتأكيد دستوريته من الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، يُعدّ خرقا لأحكام الدستور، وسابقة خطيرة تُهدّدُ مسار الانتقال الديمقراطي واستقرار مؤسسات الدولة".


ودعت الحركة، في بيان لها "جميع الأحزاب الوطنية إلى اجتماع عاجل لاتخاذ موقف مُوحّد يحمي الدستور ومؤسسات الدولة"، ودعت الكتلة النيابية للحركة إلى التنسيق مع باقي الكتل لتدارس تبعات عدم ختم القانون وانعكاساته على دور مجلس النواب وعلى الانتقال الديمقراطي، والإبقاء على اجتماعها مفتوحا لمواكبة ومتابعة تطورات الموقف.

وعبّرت الحركة "عن عميق انشغالها بالارتباك الحاصل في عمل مؤسسة رئاسة الجمهورية وتولّي نجل الرئيس التحدّث باسمها من دون أن تكون له صفة رسمية تسمح له بذلك".