تونس: أدوية منتهية الصلاحية تفتح ملف فساد الصحة

14 اغسطس 2016
مختبر لفحص الدم في تونس (Getty)
+ الخط -


لم يستفق المجتمع التونسي بعد من صدمة استخدام مصحات خاصة لـ "لوالب" قسطرة قلبية منتهية الصلاحية، حتى تفجرت قنبلة ثانية حول حجم الفساد في القطاع الصحي، بعدما كشفت مصادر قضائية، عن فتح تحقيق في استخدام مستشفيات ومصحات مواد تخدير منتهية الصلاحية تسببت في حالات وفاة متعددة.
وبالرغم من التحذيرات المتواصلة من هيئات دولية ومنظمات وجمعيات محلية، حول ارتفاع غير مسبوق لمنسوب الفساد في البلاد، إلا أن قطاع الصحة بقي في منأى عن الشبهات رغم الإقرار بتراجع كبير في مستوى الخدمات التي تقدمها المستشفيات الحكومية ونقص في التجهيزات والأدوية.

ويطالب رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، الدكتور لطفي المرايحي، منذ العام الماضي، وزير الصحة سعيد العايدي، بفتح ملفات الفساد في وزارته أو الاستقالة، منبها إلى وجود لوبيات تسيطر على الصيدلية المركزية وتعمد إلى توريد أدوية وأدوات صحية غير مطابقة للموصفات، فيما قوبلت دعوات كهذه بصمت مطبق من السلطات، التي نفت وجود أية شبهات من هذا القبيل، مكتفية بالتوضيح بأن الأدوية التي تسحب من الأسواق تتم بطلب من المخابر المصنعة دون ذكر أية تفاصيل أخرى.
وقال المرايحي في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن الفساد في القطاع الصحي ليس بالملف الجديد، مشيرا إلى أن لوبيات ممتدة النفوذ تنخر صحة التونسيين ممن يدفعون ملايين الدنانير في القطاع الخاص بحثا عن خدمات أحسن.

ولفت إلى أن السيطرة على سرطان الفساد في الجسم الصحي، بفرعيه العمومي والخاص، يحتاج إلى وقفة جادة من أجل وضع حد لما وصفه بالتجارة بآلام المرضى.
وأكد المرايحي أنه سبق أن كشف عن مخدر يستخدم في المؤسسات الصحية في تونس يتسبب في مخاطر عدة للمرضى تصل إلى حد الشلل الدائم والوفاة، مشيرا إلى أن هذا "البنج" كان يستورد من مخابر عالمية، غير أن وزارة الصحة ارتأت التزود من مصنع تونسي، حاصل على الترخيص، بعد إجراء مناقصة في الغرض.

ولفت المرايحي إلى أن تغيير وجهة الشراء نحو المصنع المحلي، رغم التنبيه إلى مخاطر المادة المستعملة، يكشف عن وجود فساد في صفقات "البنج" يتم التستر عليها من قبل جهات متنفذة، مشددا على أن "البنج" تسبب في عدة حالات وفاة لعديد المرضى في مستشفيات عدة، وهو ما دعا القضاء إلى التحقيق في الغرض.
واعتبر رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري أن الفساد الذي برز في قطاع الصحة، خاصة في ما يتعلق بملفي اللوالب القلبية منتهية الصلاحية، واستخدام بعض المصحات "بنجاً" فاسداً، هو مسؤولية مشتركة تتحملها جميع الأطراف، بما فيها وزارة الصحة، مشددا على ضرورة مراقبة الموردين، وخاصة منهم الأجانب.

ونبه رئيس هيئة مكافحة الفساد، شوقي الطبيب، منذ مدة، إلى حجم الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد بسبب تفشي الفساد، مشيرا إلى أن البلاد تخسر سنويا أربع نقاط في سلم التنمية بسبب الفساد والرشوة.
وقال الطبيب، في تصريحات إعلامية، أن حجم الفساد تجاوز الخطوط الحمر، وهو ما يقع الكشف عنه من فترة إلى أخرى بدخول قطاعات كانت تصنف من ضمن القطاعات السليمة (على غرار الصحة) ضمن قائمة القطاعات الفاسدة.

وفي العام الحالي تراجع ترتيب تصنيف مكافحة الفساد للعام الماضي في تونس بثلاث درجات، محتلة المركز 76 من بين 168 دولة، بحسب ما نشرته منظمة الشفافية الدولية.
ويرجع ناشطون في المجتمع المدني ذلك إلى ما اعتبروه تراخيا من الدولة في محاربة الفساد، ويقول الناشطون أن غياب إجراءات عملية لمكافحة الفساد من قبل الحكومات المتعاقبة، بعد الثورة، وعدم سنّ قوانين لمحاربته، ساهم في انتشار ثقافة الفساد لدى الناس ليصل إلى التلوث القطاع الصحي.
ويدافع رئيس غرفة المصحات الخاصة، بوبكر خزامة، عن القطاع مشيرا إلى أن أطرافاً تشن حملة ممنهجة لضرب القطاع الصحي، الذي كان ولا يزال مفخرة في تونس بسبب تقدمه وامتلاكه خبرات عالمية.

وأضاف خزامة، لـ "العربي الجديد"، أن قطاع الصحة واجه الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد بضخ استثمارات كبيرة ساعدت على ازدياد عدد المرضى الأجانب، الذين توافدوا على تونس طلبا للعلاج، فضلا عن توفير آلاف فرص الشغل في اختصاصات مختلفة.
ووفق القانون التونسي، تقوم الصيدلية المركزية بتوريد احتياجات البلاد من الأدوية، فيما تخضع كل المعامل المحلية لمراقبة الوزارة، غير أن العاملين في القطاع يؤكدون أن تراجع سلطة الدولة عموما، فتح المجال أمام لوبيات الفساد لعقد صفقات توريد فاسدة تتم بتواطؤ مع مسؤولين حكوميين.
ويمثل القطاع الصحي أحد أبرز القطاعات النشطة في الاقتصاد التونسي، والتي سجلت ارتفاعا هاما من حيث قيمة الاستثمارات، التي تم ضخها من طرف القطاع الخاص في إنشاء مصحات جديدة.



المساهمون