خلص اجتماع المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" التونسية، مساء أمس السبت، إلى التأكيد مجدداً على التزام الحركة بموقفها من مسار تشكيل الحكومة التي كلّف بها إلياس الفخفاخ، والتمسك بخيار حكومة وحدة وطنية لا تقصي أحداً إلا من رفض تلقائياً عدم المشاركة فيها.
وجاء تأكيد "النهضة" رداً على موقف الفخفاخ الذي حاول أن يضع الحركة أمام الأمر الواقع، ودعاها ظهر السبت إلى التوقيع على وثيقة العمل الحكومي مع بقية الأحزاب الداعمة له، دون أن يكترث لموقفها بضم حزب "قلب تونس" وبقية الكتل إلى المشاورات. وبدا الفخفاخ مصرّاً على خياره بإبعاد "قلب تونس"، حسب ما أكده خلال ندوة صحافية عقدها الجمعة، شدد خلالها على ضرورة أن تكون هناك معارضة للحكومة من خلال الأحزاب غير المشاركة في حكومته.
ودفع موقف الفخفاخ حركة "النهضة" إلى تجاهل دعوته وعدم حضور أي من قيادتها للاجتماع، ما قاد في نهاية الأمر إلى إلغائه، بحجة أن رئيسها، راشد الغنوشي، عاد من سفره بالخارج بعد مشاركته في اجتماع برلمانات الدول الإسلامية، وطالبت "النهضة" بتأجيله، ما فهم من طرف البعض على أنه أسباب صحية تتعلق برئيسها.
وسارع الغنوشي صباح اليوم إلى تكذيب الخبر رسمياً، بعدما أصدر تدوينة على صفحته في موقع "فيسبوك" نفى فيها الأخبار التي تناقلتها بعض المواقع الإلكترونية حول تعرضه لوعكة صحية.
وأكّد أنّ هذا الخبر لا أساس له من الصحة وأنه يواصل نشاطه اليوم الأحد بإشرافه على لقاءات سياسية وحزبية، بعدما أشرف أمس كذلك على اجتماع المكتب التنفيذي وعقد اجتماعات أخرى أيضاً.
Facebook Post |
ويأتي هذا الرد ليؤكد أن غياب "النهضة" عن اجتماع الفخفاخ لا يتعلق بسفر الغنوشي ولا بانشغاله أو وضعه الصحي، وإنما هو موقف سياسي واضح يؤكد شروط "النهضة" بخصوص تشكيل الحكومة ورفضها تجاهل الفخفاخ لشرطها والتقليل من أهميته، وهو ما برز بوضوح في الندوة الصحافية التي عقدها رئيس الحكومة المكلف الجمعة، وأكد خلالها أن حزامه السياسي قوي ويمكن أن يحصل على دعم 160 نائباً.
ويبدو من خلال هذه التطورات أن "النهضة" متمسكة بخيارها بشأن الحكومة، فإما أن تشمل الجميع وإما أن تسقط ويذهب الجميع إلى انتخابات سابقة لأوانها. وتدرك الحركة أن المعطيات الأولية ستكون في صالحها مبدئياً إلا إذا حصلت مفاجآت كبيرة، ولكنها تعرف في الوقت نفسه أن هذه الحكومة لا يمكنها أن تتشكل بدونها على الرغم من تصريحات الفخفاخ وتأكيداته.
وكان رئيس مجلس شورى حركة "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، قد أوضح خلال مؤتمر صحافي بعد انعقاد مجلس الشورى أنّ الحركة متمسكة بحكومة وحدة وطنية ليس دفاعاً على مشاركة "قلب تونس"، بل تضييقاً للمعارضة وتوسيعاً لمجال المشاركة في الحكم أمام أكبر عدد من الحساسيات السياسية.
واعتبر أن حركة "النهضة" استقت الدروس من أخطائها الماضية وترفض إعادة التجارب السابقة المتمثلة في حكومة ائتلاف مضيقة، مستغرباً انتقادات منافسيه بشأن علاقة "النهضة" بحزب "قلب تونس". ولفت الهاروني إلى وجود خلافات سابقة بين كل من "حركة الشعب" وحزب "التيار الديمقراطي" مع "تحيا تونس": "لكنهم اليوم على طاولة مفاوضات واحدة"، داعياً إلى إخراج التفاوض من الظلام، على حد تعبيره، والقيام بتشكيل حكومة وحدة وطنية أمام أعين التونسيين.
وهاجم الهاروني في تصريح لإذاعة "موزاييك" حزب "التيار الديمقراطي"، قائلاً إنه ليس مؤهلاً لإعطاء "النهضة" دروساً في مقاومة الفساد. وذهب إلى حد اتهامه بالضلوع في الفساد، مؤكداً أن أحد قياداته متورط بتهمة فساد مالي، وفق قوله.
وشدد الهاروني على أن "التيار" يتاجر بملف مكافحة الفساد من أجل الوصول إلى السلطة، معتبراً أنه آخر حزب يمكن أن يعطي دروساً لحركة "النهضة" في هذا الملف بالذات.
ويعكس موقف الهاروني هذا غضباً داخل "النهضة" من مسار تشكيل حكومة لحبيب الجملي الأولى وإسقاطها في البرلمان، إذ يجلس الحزبان اليوم على نفس الطاولة مع "نداء تونس" و"تحيا تونس" ومكونات لا تختلف عن "قلب تونس"، وتراجعا عن شروطهما القديمة مع حكومة الجملي، ما فُهم داخل "النهضة" على أنها المقصودة مباشرة بهذا الموقف بغاية إضعافها ومنعها من قيادة البلاد وانحياز في الصراع المفتوح بينها وبين الرئاسة لصالح الأخيرة.
وتؤكد "النهضة" من خلال عملية قلب الطاولة على الجميع أنها ما تزال تحتفظ بخيوط بين أيديها، وبأنها في قلب العملية السياسية في تونس، وأن سقوط حكومة الجملي لم يضعفها، وهي بذلك تحسن بشكل كبير في شروط التفاوض مع الفخفاخ إذا كان هذا هدفها بالفعل.
وستبيّن نتائج المشاورات الجانبية التي ستعقد مساء اليوم الأحد وغداً الإثنين إذا ما كانت "النهضة" جادة في إسقاط حكومة الفخفاخ، والذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها أم فقط بغاية فرض شروطها على المسار الجديد.