ودعا حزب "النهضة" في بيان نشره أمس الاثنين، يحمل توقيع رئيس الحركة، راشد الغنوشي، "إلى الإسراع بتركيز (تشكيل) المحكمة الدستورية، وفي انتظار ذلك واعتبارا لتعدد الأطراف المتداخلة، فإنها تقترح تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين لتتولى اختصاص المحكمة الدستورية في هذا المجال".
وعزا حزب "النهضة" دعوته إلى هذا التعديل إلى "الجدل الذي أثاره تأخر تركيز المحكمة الدستورية، والفراغ المؤسسي المترتب عنه في خصوص بعض الصلاحيات الممنوحة لها، وتحديدا إقرار الشغور الوقتي أو الدائم في رئاسة الجمهورية".
ودعا رئيس البرلمان، محمد الناصر، رؤساء الكتل إلى جلسة توافق طارئة صباح اليوم الثلاثاء لمواصلة انتخاب 3 أعضاء في مجلس المحكمة الدستورية، بعد أن انتخب عضوا وحيدا إلى غاية الآن، وحتى يتسنى للمجلس الأعلى للقضاء انتخاب 4 آخرين وتعيين رئيس الدولة للأربعة المتبقين.
وتحولت الأزمة السياسية التي تعيش على وقعها البلاد منذ أيام إلى أزمة دستورية في ظل تواصل غياب المحكمة الدستورية، والتي برزت الحاجة إلى إرسائها بشكل لافت ومتزايد في ظل الوعكة الصحية الحادة التي ألمت برئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، والتي ألزمته الإقامة بالمستشفى العسكري منذ خمسة أيام.
وبرز الخلاف حول تفويض صلاحياته وفرضية الشغور المؤقت أو الدائم في منصبه، والتي يفترض معاينتها من هذه المحكمة الدستورية.
وقال المتحدث الرسمي باسم "النهضة"، عماد الخميري، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "النهضة قدمت مقترحا، الغاية منه فتح نقاش بين مختلف مكونات البرلمان حول توسيع صلاحيات الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، والنظر في المقترحات والتوافقات الممكنة حول ذلك في إطار تسريع الإجراءات من أجل تجاوز أي فراغ دستوري إن وجد".
وأضاف الخميري أنه "في ظل وجود مجلس نواب الشعب فلا مجال للحديث عن فراغ دستوري، وهو المسؤول عن تدارك أي فراغ دستوري باعتباره السلطة الأصلية في البلاد".
في المقابل، اعتبر النائب المعارض وعضو مكتب البرلمان التونسي، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "مقترح حزب النهضة غير دستوري ولا يستقيم"، مشيرا إلى أن "الحل لا يكمن في تعديل قانون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القانون، وذلك بتمكينها من صلاحية معاينة الشغور الوقتي والشغور النهائي في منصب رئيس الدولة".
ونشر الشواشي على صفحته على "فيسبوك" أسباب عدم دستورية مقترح "النهضة"، قائلا إن السبب الأول يعود إلى "أن صلاحية معاينة الشغور الوقتي والشغور النهائي وإقرارهما هي صلاحية حصرية، أسندها الدستور التونسي في بنديه 84 و85 إلى المحكمة الدستورية، ونفس هذه الصلاحية تم تضمينها صلب القانون عدد 50 لسنة 2015 المحدث للمحكمة الدستورية والمنشور بالرائد الرسمي، وبالتالي فلا يجوز إسناد هذه الصلاحية الممنوحة حصرا للمحكمة الدستورية للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين".
وأضاف الشواشي أن السبب الثاني يتمثل في "أن البند 148 فقرة 7 من الدستور حدد اختصاص الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، وحصرها في مراقبة دستورية مشاريع القوانين فقط، على أن تنتهي مهامها بإرساء المحكمة الدستورية، وبالتالي فلا يجوز دستوريا التوسيع في صلاحياتها لتشمل صلاحيات جديدة لم يسندها لها الدستور وأسندها لغيرها يعني للمحكمة الدستورية".
وبين أن "الحل من حلول الأزمة القائمة يكمن في البند 83 من الدستور الذي يخول الحق لرئيس الجمهورية، إذا تعذر عليه القيام بمهامه بصفة وقتية، أن يفوض سلطاته إلى رئيس الحكومة لمدة لا تزيد على 30 يوما قابلة للتجديد مرة واحدة".
من جانبه اعتبر أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس، سليم اللغماني، في تصريح صحافي أن "الدستور ميز بين حالة الشغور الوقتي والنهائي الذي لا يتم معاينته إلا من خلال المحكمة الدستورية التي لم يتم إرساؤها بعد، وهي التي تحسم في المسألة".
وأوضح اللغماني أنه "لتجاوز غياب المحكمة الدستورية، فإن إقرار حالة الشغور الوقتي بسبب تعذر القيام بالمهام تقرها هيئة طبية رسمية مكونة من أطباء من الصحة العمومية تعيّنها رئاسة الحكومة، بما أنها السلطة الوحيدة المخوّل لها ذلك لمعاينة الشغور، وإذا كان الشغور نهائيا فيحدده الطب الشرعي للتثبت من الحدث المادي ثم الرجوع لأعلى سلطة دستورية، وهي مجلس نواب الشعب بمختلف كتله الذي عليه الإعلان عن الشغور النهائي، بعد الاستناد إلى ركيزة علمية وهي تقرير الطب الشرعي".