كم من مؤلف أو مبدع تونسي توقف عن العمل في مجاله لأن مجهولاً سرق أفكاره أو مجهوداته. كم من مفكّر مّل الكتابة لشعب لا يقرأ إلا نصف كتاب في السنة. كم من موسيقي سرقت أغانيه من دون رادع..
هذا حال المثقفين في بلد ابن خلدون كما شخّصه الأدباء والمثقفون التونسيون الذين شاركوا في "الأيام التحسيسية لنشر ثقافة الملكية الأدبية والفنية" التي انطلقت في العاصمة تونس الاثنين الماضي. وقد أشار عددٌ منهم إلى أن هذه السرقات في حالة ازدياد مقلقة عبر ما يُرصَد من تجاوزات، سواء بالاقتباس أو الاختصار أو الاستيلاء الكامل على النتاج الأدبي والفكري والفني، وهي أصعب ما يمكن أن يتعرّض له المبدع.
وفي هذا السياق، طالب معظم المشاركين بضرورة تطبيق حقوق الملكية الفكرية التي تحفظ حقوق الناشر في أي مكان، وأجمعوا على ضرورة مواكبة حركة حماية هذه الحقوق عالمياً، لأن التأخر في ذلك هو الذي يقف خلف تفاقم هذه المشكلة محلياً.
وحول هذا الخطر الداهم على أهل الثقافة في تونس، قال وزير الثقافة التونسي مراد الصقلي إنه "لا مجال للاستثمار الثقافي من دون التطبيق الفعلي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. ففي السنوات الأخيرة، أصبح الفنان رهينة بيد السلطة ولا بد من تحرّره من التبعية تجاهها"، مبرزاً الأبعاد الأدبية والمادية والاقتصادية لحماية حقوق المبدع والفنان في شتى المجالات.
كذلك تحدث الصقلي عن تورط وزارته في انتهاك حقوق الملكية الأدبية والفنية قائلاً: "حتى وزارة الثقافة تساهم في التعدي على حقوق الفنانين والمبدعين من خلال استغلال إبداعاتهم مجاناً في المهرجانات".
يذكر أن وزارة الثقافة التونسية وضعت استراتيجية تحرُّك تتلخص في ثلاث مراحل: مرحلة التحسيس، ثم مرحلة توجيه رسائل التنبيه إلى الإذاعات والتلفزات والمؤسسات الكبرى، فمرحلة الردع ورفع الأمر إلى القضاء.
ومن جانبه، كشف مدير المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، يوسف بن إبراهيم، عن وجود عدة نقائص لوجستية وتشريعية وتقنية وبشرية تحول دون حسن تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية والأدبية واستخلاص مستحقات الفنانين والمبدعين، مؤكداً أن المؤسسة بصدد إجراء إصلاحات وتحسينات على طريقة عملها وتدخّلها من خلال تعزيز العنصر البشري وتطوير المنظومة التقنية والرقمية والعمل على الحضور التدريجي بالجهات.
أما مهدي النجار كاهية، مدير مؤسسة حقوق المؤلف التونسية، فلاحظ أنه، على عكس بلدان كثيرة في العالم تتخذ من الصناعات الثقافية دعامة للتنمية وموطناً للتشغيل، بحيث تساهم غالباً بنسبة 8 % من الناتج الداخلي الخام؛ فإن هذه النسبة لم تتجاوز 0.64 % في تونس، بينما تجاوزت في المغرب الشقيق 2 %.
ومن جهته، نوه المحامي أحمد بن حسانة بأهمية دسترة حق الملكية الفكرية في الدستور التونسي الجديد وفق ما نص عليه الفصل 41 الذي يمنح المفكرين الحق في حصانة قانونية لملكيتهم. لكنه أشار إلى أن ذلك بقي حبراً على ورق لأن تونس التي كانت سباقة عربياً على مستوى التشريع في هذا المجال، كانت سباقة أيضا على مستوى الانتهاك.