تونس: "الحقيقة والكرامة" استمعت لشهادات ضحايا "أحداث الخبز"

04 يناير 2018
اتهامات لحكومة الشاهد بضرب القوة الشرائية للتونسيين (ناصر طلال/الأناضول)
+ الخط -

نظمت هيئة الحقيقة والكرامة في مقرها، اليوم الخميس، جلسة استماع علنية وجماعية خصصت لضحايا "أحداث الخبز" التي وقعت في تونس  في 3 يناير/كانون الثاني 1984 والتي سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى، بعد إطلاق الرصاص عليهم من قبل قوات الأمن والجيش.

ويأتي تنظيم هذه الجلسة بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين للانتفاضة التي جاءت نتيجة الاحتجاجات العارمة التي قادها العمال والطلبة، تنديداً بزيادة أسعار الخبز في تلك الفترة.  

وأكدّت عضو هيئة الحقيقة والكرامة ابتهال عبد اللطيف في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الهيئة سمعت شهادات علنية لـ23 شخصاً من ضحايا الانتهاكات، التي بينت أن أغلب الضحايا كانوا في سن الطفولة وقتها، شباب وجدوا أنفسهم في مراكز الاعتقال، كما ان الكثير من العائلات فقدت أبناءها وأقربائها.

وأضافت عبد اللطيف أنّ ممارسات قمعية عديدة، سلطت الضوء على الضحايا، كما حصلت جرائم فظيعة وانتهاكات ممنهجة ضد المحتجين، وأنه مهم أن يعرف التونسيون حقيقة ما حصل خلال "أحداث الخبز"، مشيرة إلى أن الآثار النفسية والاجتماعية كانت كبيرة على الضحايا وذويهم وتداعياتها لا تزال موجودة لغاية اليوم.

وبينت أن الضحايا أرادوا أن تكون الجلسات علنية لإيصال أصواتهم إلى الرأي العام وكشف الحقيقة التي تبقى جزءاً من العدالة الانتقالية، ولرد الاعتبار وإصلاح المنظومة الأمنية في تونس.


وأفادت عضو هيئة "الحقيقة والكرامة" أنه "برغم مضي فترة طويلة على هذه الأحداث، إلا أنه من المهم كشف أخطاء الماضي، كي يقضي السجناء الحاليون وسجناء الحق العام، عقوبتهم بما يحفظ حقوقهم وكرامتهم. يمكن أن ينالوا عقابهم في كنف احترام القانون ومن دون الاعتداء على حقوقهم".

وأكد عز الدين العيساوي، وهو أحد ضحايا الانتهاكات في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه اضطر في حينه إلى مغادرة تونس ومواصلة تعليمه خارجها، وبمجرد عودته تم إيقافه وسجنه مجدداً الى جانب حرمانه من العمل وتعرضه وعائلته للعديد من المضايقات، خصوصاً والدته ووالده.

وأضاف العيساوي: "أن تذكر ما حصل في تلك الفترة يسبب الكثير من الألم لأن الجرح لم يندمل برغم مرور كل هذه الأعوام"، مبيناً أن محافظة القصرين بأكملها عانت من التهميش والإقصاء بسبب الأحداث.

أما مسؤول جمعية "صوت الإنسان" الحبيب مشماش، فقال في تصريح لـ"العربي الجديد" "إن هذه المناسبة مهمة جدا لإحياء الذاكرة والتذكير بالأيام الصعبة والأليمة التي عاشها التونسيون في تلك الفترة"، مبينا أنّ الشهادات ذكرته بما عاشه ويحاول نسيانه.

وأضاف "تونس عرفت فترة عصيبة استعمل فيها الأمن والجيش كل طاقته القمعية ضد المحتجين، ما أدى إلى سقوط عديد الضحايا والجرحى، فأصبحت على مشارف هاوية. لولا تطويق الاحتجاجات، لكانت فعلاً ثورة أولى مبكرة، لأن عدد القتلى في أحداث الخبز يفوق أو يناهز تقريباً عدد قتلى ثورة 14 يناير 2011". كما دعا إلى إحياء الذكرى بشكل دائم، ليبقى ما حصل في الذاكرة  درسا للسياسيين الحاليين ولكي لا يتكرر.

بدوره، قال حسن المفتاحي، شقيق إحدى الضحايا إنها قُتلت غدراً في "أحداث الخبز"، وأن ما حصل أثّر في عائلته، لافتاً إلى أن والدته وشقيقه توفيا لاحقاً جراء الحزن والصدمة.

وذكر أن أكثر ما آلمه في حينه، ظنّهم أنها ما زالت على قيد الحياة، فأرادوا إسعافها، لكن مجرد أن لمحوا دبابة الجيش تركوها فدهستها الدبابة، وظلت جثتها لعدة ساعات على قارعة الطريق من دون تمكنهم من نقلها. وأضاف أنّ طلبه الوحيد اليوم، هو رد الاعتبار لكي لا يضيع حق شقيقته، وأن يُنصف ذوو الضحايا، داعياً إلى كشف حقيقة الانتهاكات والاعتداءات التي اقتُرفت بحق الأبرياء والعزّل.

وعلى هامش الجلسة، حذرت أصوات حزبية واجتماعية في تونس، من تكرار سيناريو 1984، ونبه حزب "بني وطني" الحكومة من كارثة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة في تونس.

ودعا، في بيان، إلى العدول بشكل عاجل عن القرارات التي جاءت في قانون المالية لما لها من تأثيرات مباشرة على القوة الشرائية للتونسيين.

بدورها، عبّرت الجبهة الشعبية اليسارية عن رفضها لزيادة الأسعار، وأكدت أنها ستزيد من تفقير الطبقات الشعبية والوسطى، كما اعتبرت الجبهة، في بيان، أن حكومة يوسف الشاهد باتت بمثابة "الإدارة المحلية التابعة لصندوق النقد الدولي، تنفذ خياراته لضرب كل المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين وتحملّهم نتائج فشل خياراتها وخيارات الائتلاف الحاكم".


وحثت الجبهة القوى السياسية والاجتماعية الوطنية وعموم أبناء الشعب التونسي المتضررين من الإجراءات وما سيتبعها، على "رصّ الصفوف في حركة نضالية مدنية سلمية لإسقاط هذه الإجراءات وتعليق العمل بقانون المالية".

كذلك طالب القيادي في الجبهة الشعبية رئيس لجنة المالية في مجلس النواب، منجي الرحوي، بـ"تعليق العمل بالإجراءات اللاشعبية المنصوص عليها في قانون المالية الجديد".

وقال في تصريح لإذاعة محلية، إن "قانون المالية يمثل مصدر توتر اجتماعي ويستهدف القوة الشرائية للمواطن التونسي"، معتبراً أنه "من أكثر القوانين تعسفاً على القدرة الشرائية للمواطن، وكابحاً للنمو في تونس"، مضيفاً أن أسعار كل المواد دون استثناء ستُسجل ارتفاعاً.

من جهته، أصدر الاتحاد العام التونسي للشغل بياناً أكد فيه أن "الحكومة اتخذت إجراءات أدّت إلى التهاب أسعار العديد من المواد المرتبطة بالاستهلاك اليومي للتونسيات والتونسيين، وهي إجراءات قد تزيد من ترفيع نسب التضخّم كما تزيد من تدهور المقدرة الشرائيّة للمواطنين وتعمّق التفاوت الاجتماعي".

واستنكر المكتب التنفيذي للاتحاد هذه الزيادات، معتبراً أنها جاءت "نتيجة حتمية لما كان الاتحاد قد تحفّظ عليه بخصوص الرفع في نسبة الأداء على القيمة المضافة في ميزانية 2018، باعتباره حلّاً سهلاً اختارته الحكومة لسدّ النقص في الميزان العمومي على حساب المستهلكين والأجراء أساساً، وتعتبر أي زيادة في الأسعار قبل مراجعة منظومة الدّعم إنّما هي تعميق للحيف الاجتماعي وتقليص لفرص الاستهلاك بوصفها من أهمّ محرّكات النمو في تونس في ظلّ انكماش الاستثمار".

واعتبر الزيادة في الأسعار "مفتعلة وقائمة على التحايل على المستهلكين"، مشدداً على وجوب احترام الحكومة لتعهّداتها بعدم الزيادة على المواد الأساسية طبقا للاتفاق الذي وقعته مع الاتحاد.

وفي محاولة للحد من تداعيات هذه الأزمة، يلتقي الموقعون على وثيقة قرطاج، غداً الجمعة، مع الرئيس الباجي قايد السبسي، لبحث سبل الخروج من هذه الوضعية.