تونسيون يمنحون فنادق بلدهم جرعة أوكسجين

23 يوليو 2015
السياحة الداخلية لا تغني عن السياح الأجانب (العربي الجديد)
+ الخط -
توافدت عائلات تونسية على الفنادق لتمتلئ هذه الأخيرة بالتونسيين، في مشهد لم يألفه أهل البلد ولا أصحاب النُزُل. فأمام الغياب التام والواضح للسياح الأجانب، لجأت عدة نزل إلى الحدّ من أسعارها لتصل إلى حدود 40 دولاراً لليلة الواحدة، ما مكّن عائلات تونسية من التمتع بالخدمات الفندقية والشواطئ السياحية التي كانت حكراً على السياح.

في أحد النزل الواقعة بالحمامات الشمالية، والتي تعدّ من أعرق المناطق السياحية بالجهة، كانت قاعة الاستقبال تعجّ بالأسر التونسية وبالتونسيين المقيمين بالمهجر. حقائب منتشرة هنا وهناك، ونزلاء يسألون عن سبب تأخر منحهم غرفهم، وآخرون يستطلعون حال الخدمات.

بدا الأطفال سعداء وهم يركضون ويمرحون في بهو النزل، بعضهم اتجه نحو قاعة الألعاب التي خصصها الفندق لزواره، وآخرون حملوا لوازم السباحة متجهين نحو المسبح.

الحاجة زهرة، في عقدها الثامن، تتأمل المسبح بانبهار شديد، أوضحت أنه لم يسبق لها أن زارت نزلاً في حياتها، مشيرة لـ"العربي الجديد"، إلى أنها تعوّدت استئجار منزل على شاطئ البحر في سوسة أو الهوارية، ولكنها ستقضي للمرة الأولى إجازتها في فندق.


وذكرت أنّ ابنها القادم من أميركا بعد غياب استمر لأكثر من 6 أعوام، أصرّ على أن يقضي برفقة زوجته الأميركية وأطفاله إجازتهم في فندق، وأن ينتقلوا إلى الحمامات تشجيعاً للسياحة الداخلية، مشيرة إلى أنّ الخدمات جيدة، وأنها تشعر بالراحة، و"العطلة تسير على أحسن وجه"، على حد تعبيرها. وتقول الحاجة زهرة: "لن أضطر إلى الطبخ وترتيب الغرف مثلما تعودت سابقاّ، فعندما أستأجر منزلاً على الشاطئ تكون العطلة جميلة، ولكن التعب مضاعف".

وقالت ابنتها نجوى، إنها تشعر براحة كبيرة لأن كل المقيمين في هذا الفندق هم تونسيون، فهي لا تشعر بأي حرج في المسبح أو في الذهاب إلى الشاطئ، موضحة أن هذا لا يعني أنها ضد توافد السياح الأجانب، ولكنّها للمرة الأولى التي تجد فيها نزلاً يضم أسراً تونسية فقط. واعتبرت أنه حتى لو عادت السياحة إلى نسقها العادي، فهي تأمل أن تبقى بعض الفنادق مخصصة للعائلات التونسية لكي تنعم بالخدمات الفندقية.

أما محمد صلاح، متقاعد، فقال إنه تعوّد منذ حوالي 7 أعوام قضاء إجازته في هذا النزل. وأكدّ أنه كان في السابق ينشغل بالسياح، خصوصاً من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. ويتابع: "للأسف التونسي غير مهيّأ حالياً لقضاء إجازة طويلة في نزل بلده، ولا يجب أن ننكر أن الطبيعة تأبى الفراغ، فهناك نوع من التوازن يخلقه توافد الأجانب والأشقاء العرب على النزل التونسية، وعندما يكون هناك تونسيون فقط فإن النتيجة ستكون الكثير من الضغط والفوضى".

ورأت سميرة، التي قدِمت من جهة رادس بالضاحية الجنوبية للعاصمة لقضاء إجازة برفقة عائلتها، أنّ ميزانية العائلة التونسية لا تسمح لها بالإقامة مطولاً في فندق، لا سيما بعد مصاريف شهر رمضان وتتالي المناسبات. وذكرت أن أغلب الأسر التونسية عادة ما تكتفي بقضاء يومين أو ثلاثة على أقصى تقدير في الفندق، أما السائح فيبقى لمدة أسبوع أو أكثر، مبيّنة أنّ ما يزعجها هو طوابير الانتظار وقلّة النظام وتكديس الطعام فوق الطاولة وكثرة التبذير.

وأوضحت أنّ التونسي قد يمنح جرعة أوكسجين للسياحة، ولكنه لن ينقذها من الأزمة الخانقة التي تعيشها حالياً، مبيّنة أن العديد من الفنادق مغلقة أو تضم بضعة سياح فقط.

وقال نزار حمودة، طالب، إن انخفاض الأسعار شجعه كثيراً على القدوم إلى هذا النزل، والتمتع بالسباحة والشواطئ الجميلة، مبيناً أنّ الخدمات تعتبر جيدة رغم الاكتظاظ الذي شهده النزل في نهاية الأسبوع.


وأكدّ منصف العبيدي، تونسي يقيم بسويسرا، أنّه يأمل تشجيع الأسر التونسية المقيمة بالمهجر للقدوم لكي تملأ الفنادق، مبيناً أنه يمكن الاستغناء عن السياح الأجانب في ظل تواجد آلاف التونسيين الذين يعيشون بالمهجر.

وانتقد منصف العروض المعلن عنها والتي تتحدث عن تخفيضات كبيرة لفائدة التونسيين، معتبراً أنها لا ترتقي إلى متطلبات العائلات التونسية، خصوصاً إذا أضيفت إليها أسعار تذاكر السفر والإقامة. ورأى أن تخفيض الأسعار لا يعني الحدّ من الجودة، أو تقديم أكلات دون المستوى المطلوب.

وأشار فادي بن حمودة، تلميذ يدرس بفرنسا، إلى أنه استمتع كثيراً بإجازته، وأنه معجب بنظافة البحر واتساع مسبح النزل. وقال إنه يحبذ تواجد السياح الأجانب مع التونسيين لأن غيابهم خسارة للسياحة التونسية.

في السياق ذاته، قال شقيقه ريان إنّ الخدمات المقدمة تبقى هي نفسها سواء كانت ستقدم للسياح أو للتونسيين، معتبراً أنّ بعض أصدقائه الفرنسيين لاموه على قضاء الإجازة في تونس في ظل تنامي المخاطر من الإرهاب. وذكر أنهم لا يعرفون جمال المناطق التونسية وروعة الشواطئ، ولهذا التقط الصور التذكارية لإرسالها لهم.

من جهة أخرى، أوضح مروان، مسؤول بالنزل، لـ"العربي الجديد"، أنّ توافد عشرات العائلات التونسية خلال هذه الفترة، ساهم في خلق حركة كبرى على النزل الذي كان يعاني من شلل تام بسبب غياب السياح. وقال إن التونسيين منحوهم جرعة من الأوكسجين، وأن السياحة الداخلية أنقذتهم نسبياً، مبيناً أن توافد عائلات جزائرية قريباً قد يسمح لهم بالقيام بانتدابات جديدة لتلبية الطلبات المتزايدة. وأشار إلى أن توافد العائلات التونسية والأشقاء العرب من دول الجوار سيمكّنهم من العمل طيلة فترة الصيف.

وعن الضغط المسجل على المطعم وطوابير الانتظار، قال إن إدارة النزل بصدد إيجاد حلول والتعامل مع الوضعية الجديدة التي حتّمها توافد عدة عائلات تونسية، مبيناً أنه تم تخصيص بعض الفضاءات للأكل. وأشار إلى أن النقص بأعداد العاملين جعلهم يرفضون بعض الطلبات نتيجة العجز عن إيجاد غرف شاغرة.

وأشار محمد، طباخ، إلى أنه رغم الضغط الكبير بسبب كثرة الوافدين من الأسر التونسية، فإنهم متعودون على العمل حتى لو كانت الضغوطات أكبر ونسق العمل أسرع.

اقرأ أيضاً: سيّاح الحمامات لم يغادروا تونس رغم التهديدات

المساهمون