الإهمال الذي تشهده المراكز المخصصة للحجر الصحي في تونس، وعدم الاهتمام بالتباعد الاجتماعي وعزل المرضى والنظافة، دفعت الكثير من المواطنين إلى تفضيل الحجر في المنزل بدلاً من هذه المراكز، التي شهدت هرب البعض
حذّرت وزارة الصحة التونسية من خطر ارتفاع عدد الإصابات بفيروس كورونا مجدداً، واحتمال أن تشهد تونس موجة ثانية قد تكون أكثر خطورة من المرة الأولى، لا سيما إذا لم يتقيد غالبيّة التونسيين بإجراءات الوقاية والالتزام بنصائح وزارة الصحة. ووصفت الوزارة الوضع الحالي بالصعب جداً بعد ارتفاع عدد الإصابات في العديد من المناطق إثر فتح الحدود منذ 27 يونيو/ حزيران الماضي. وتفيد الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة بتسجيل نحو 3 آلاف حالة إصابة منذ فتح الحدود. وتؤكد أنّ المرحلة الأولى لانتشار وباء كورونا مرّت بسلام، ومُنحت الوزارة الوقت لإعادة تأهيل المستشفيات ومراكز الإيواء، كما أنّها تعمل أكثر على مراقبة ومحاصرة المناطق التي ينتشر فيها الوباء، مراهنة أكثر على التقصي الميداني بهدف حصر العدوى داخل المدن.
خلال الموجة الأولى من انتشار الوباء، خضع أكثر من 15 ألف شخص للحجر الصحي الإجباري داخل مراكز مخصصة على مدى 14 يوماً قبل التأكد من سلامتهم. وسجلت تونس خلال تلك الفترة 1201 إصابة، وتمت السيطرة على انتشار الوباء منذ شهر مايو/ أيار الماضي، مع عدم تسجيل أي إصابة وافدة أو محلّية قبل فتح الحدود، لتعود حياة التونسيين إلى طبيعتها من دون أي مخاوف. مع ذلك، شهدت الفترة نفسها انفلاتاً داخل مراكز الحجر الصحي، وتسجيل حالات عدوى بسبب عدم انعزال الأشخاص بعضهم عن بعض داخل مراكز الحجر. كما لم تُخصص بعض المراكز غرفاً انفرادية لتفادي انتقال العدوى قبل صدور نتائج فحوصات كورونا. أكثر من ذلك، سجلت العديد من مراكز الحجر الصحي حالات هروب.
وندّد العديد من التونسيّين المقيمين في مراكز الحجر الصحي بظروف الإقامة والطعام والنظافة، في إشارة إلى عدم توفر الشروط الصحية. ونشر العديد منهم صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي تعكس الواقع في المراكز ونظافة مطابخها ودورات المياه فيها.
من جهتها، أعلنت الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، التي قامت بالعديد من الزيارات إلى مراكز عدة للحجر الصحي منذ انتشار الوباء، تسجيل إصابات بالعدوى داخل مركز للحجر الصحي بعد إجراء المزيد من الفحوصات المخبرية. في هذا الإطار، مُدّدت فترة الحجر الصحي للبعض حتى شفائهم. وأوصت الهيئة بضرورة تطبيق إجراءات الحجر الصحي بالجدية المطلوبة، والفصل الآمن بين أولئك القادمين من أماكن مختلفة.
وتتحدّث الهيئة عن مشاكل أخرى، منها انتشار النفايات في المركز المخصص للحجر الصحي، خصوصاً في الأماكن العامة، إضافة إلى غياب الجدية في تحديد كيفية تحرك المرضى داخل المركز، وعدم ارتداء العاملات المكلفات بالتنظيف أي ملابس واقية من العدوى. يضاف إلى ما سبق غياب المتابعة الطبية للمرضى.
كما سجلت الهيئة حصول خلافات بين بعض المرضى إثر تناول البعض المشروبات الكحولية، ما استدعى تدخلاً من قبل قوات الأمن. وتقول مفيدة (33 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنّها قضت فترة الحجر الصحي في أحد المراكز، لافتة إلى أن "المركز غير مؤهل لإيواء أناس في حالة صحية عادية، فما بالك بأشخاص قد يكونون مصابين بالفيروس؟". كما نقل بعض المرضى العدوى لآخرين غير مصابين، بسبب عدم تخصيص غرف منفردة لكلّ شخص، إضافة إلى غياب إجراءات النظافة والحماية والتعقيم المستمر.
بعض تلك الظروف جعلت التونسيين يرفضون الإقامة في مراكز الحجر الصحي، وتفضيل التزام الحجر في بيوتهم، ما تسبب في نقل العدوى إلى بعض أفراد عائلاتهم والمخالطين، ما أدى إلى انتشار العدوى بشكل كبير في العديد من المناطق التي باتت اليوم بؤراً لتفشي الوباء. ولجأت السلطات التونسية إلى فرض حضر تجول فيها إلى جانب إغلاق بعض الأسواق والأماكن العامة.
ويقول رئيس لجنة الحجر الصحي في وزارة الصحة محمد الرابحي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العديد من التونسيين لم يستوعبوا بعد خطورة الأمر. كما أنّ نجاح السيطرة على انتشار الوباء خلال الفترة الأولى جعل التونسيين غير واعين حول إمكانية انتشار العدوى بوتيرة أسرع"، مؤكداً على ضرورة الالتزام بتدابير الوقاية الصحية المتخذة من قبل وزارة الصحة من تباعد اجتماعي وارتداء الكمامات وتعقيم اليدين باستمرار. ويقول إنّ "التونسيين يرفضون الحجر الصحي الإجباري، ولا يلتزمون حتى بتطبيق الحجر الذاتي في بيوتهم".
وعملت الوزارة، إثر تفشي الوباء، على تجهيز شبكة مراكز جديدة لإيواء المصابين بكورونا، تتكون من 1500 غرفة موزعة على مختلف جهات البلاد. كما يشير الرابحي إلى أنّ الوزارة على استعداد لتخصيص عدد أكبر من مراكز الحجر الصحي في مختلف الجهات إذا ما تطلب الوضع الوبائي ذلك، مؤكداً على ضرورة الالتزام بالحجر الصحي الإجباري والتقيد بإجراءات الوقاية ونصائح وزارة الصحة بعدم الاستخفاف بالوباء.