تونسيون من دون أبنائهم

06 يناير 2018
ربّما تكون قصته مؤلمة أيضاً (ناصر طالل/ الأناضول)
+ الخط -
"حرمتُ من رؤية أبنائي الأربعة بعدما قرّرت والدتهم الفرنسية الفرار بهم إلى فرنسا بسبب عدم رغبتها بالاستقرار في تونس. مضت نحو 8 أشهر ولم أسمع خلالها أصوات أبنائي، ولا أعرف إن كانوا يدرسون أم لا، وفي أية ظروف يعيشون"، يقول نوفل بوحلي لـ"العربي الجديد". هذا الأب يشعر بالقهر والظلم من جرّاء ما حدث، ولم تعد لديه رغبة في العمل ولا الالتقاء بأصدقائه. كلّ ما يشغل تفكيره هو احتضان أبنائه مجدداً، مؤكداً أنه عاجز عن السفر إلى فرنسا بسبب دعاوى كيدية أقامتها زوجته ضده لتمنعه من السفر، ومنها حكم غيابي صدر في فرنسا يقضي بسجنه ثلاثة أعوام، بعد اتهامه بمحاولة اختطاف أبنائه والعودة بهم إلى تونس، إضافة إلى غرامة مالية تصل إلى أكثر من 45 ألف دينار (نحو 20 ألف دولار).

وليس نوفل وحيداً في أزمته، إذ عاش مئات الآباء في تونس مآسي وقصصاً شبيهة بالخيال، وحرموا من رؤية أبنائهم بعد فشل زواجهم من أجنبية، ووصل الأمر حد تدخل عصابات ومافيات هدّدت البعض بالتصفية الجسدية والحرمان من السفر، ما أدى إلى خطف الأبناء وتهريبهم، وبالتالي حرمانهم من فلذات أكبادهم.

ويروي نزار بنور، المتزوّج من بولونية تقيم حالياً في لندن، لـ"العربي الجديد"، أنه حرم من ابنه الوحيد ريان أوليفي، البالغ من العمر تسعة أعوام، وأن ما عاشه دمّر حياته. يضيف أن تجربته كانت مليئة بالمؤامرات والابتزاز والتهديد بالتصفية وتلفيق التهم في حال لم يرضخ للأمر الواقع. ويشرح أنه كان يقيم بطريقة غير شرعية في إيطاليا. هناك، تعرّف على زوجته البولونية التي أقامت معه فترة في إيطاليا، لكن تصرفاتها تغيرت بمجرد أن حملت بطفلهما، وبدأ الخلاف الأول بينهما حول تسمية الطفل، وقد رفضت أن يطلق عليه اسم عربي، ما دفعه إلى تسميته ريان أوليفي. ورغبت في تسجيله بجنسية أوروبية، لكنه رفض، إذ رآى أن طفله تونسي.

ويكشف بنور أنّ زوجته رفضت أن يقيم معها في لندن رغم أنه ساعدها مادياً لاقتناء شقة هناك، مؤكداً أنه كان يرسل إليها المال من تونس. وحين لاحظ أنها تحمل طفله إلى الكنيسة، قرر جلبه إلى تونس بعد حصوله على الحضانة. ثم بقيت عاماً ونصف العام في تونس، وحصلت على الإقامة، إلا أنه فوجئ بفرارها بعدما ساعدتها بعض العصابات في تهريبه بحراً عبر إيطاليا، علماً أنه كان ممنوعاً من السفر.


وينتقد مهدي ميال، الذي حرم أيضاً من رؤية ابنته منذ عام 2013، السلطات التونسية، متّهماً إياها بالتقصير كلما تعلق الأمر بقضايا مماثلة. ويقول إن السفارات الأجنبية تستميت في الدفاع عن مواطنيها وتساعدهم بشتى الوسائل ليكون أبناؤهم التونسيون معهم، لافتاً إلى أنه في مثل هذه القضايا لا يجدون من يحميهم ولا يعرفون لمن يوجهون أصواتهم. يضيف لـ"العربي الجديد": "رغم صدور قرار بمنع سفر ابنتي إلى فرنسا، إلا أنها سافرت بطريقة غير قانونية".

ويؤكد رئيس الجمعيّة التونسيّة للنهوض بالرجل والأسرة والمجتمع، المحامي حاتم المنياوي، لـ"العربي الجديد"، أنّ مئات الحالات تصلهم إلى الجمعية، وتكون المسألة أكثر قساوة وتعقيداً عندما يتعلق الأمر بآباء محرومين من السفر لرؤية أطفالهم، لافتاً إلى أن الوضع النفسي لعدد من الآباء متأزّم جداً. يضيف أنّ "الإشكالية تكمن في الفراغ التشريعي. ورغم حصول بعض الآباء على حق الحضانة، يُحرمون من أطفالهم"، مؤكداً أنّ "الإشكاليات تحصل على مستوى تطبيق القانون، سواء حصل الطلاق في بلد أجنبي أو في تونس، فإنه ينصف الأجانب في الغالب". يتابع: "الغريب أن عدداً من الأجنبيات اللواتي اتهمن بخطف أطفالهن، لا يلاحقن. وكانت هناك ضغوط عدة من السفارات الأجنبية بحق المواطنين التونسيين للتخلي عن أطفالهم".

ويذكر المنياوي حالة الشاب التونسي فيصل الشابي، الذي حكم على زوجته بسنة سجن، بعدما خطفت ابنته زينب. مع ذلك، تمكنت طليقته من زيارة تونس وكانت تحت حماية أجنبية. ويذكر قصة التونسي رمزي قداس، الذي هرب طفليه من تونس إلى ليبيا، ورحّلا من قبل والدتهما الألمانية، التي وثقت عملية التهريب بواسطة قناة ألمانية.

من جهته، يرى المعالج النفسي، عماد الرقيق، أن مثل هذه الحالات من شأنها أن تؤثّر على الأطفال من الناحية النفسية، وقد تؤدي إلى إصابتهم بالقلق والاكتئاب. يضيف لـ"العربي الجديد": "عادة ما لا يعبّر عن الألم الذي يشعر به، وأن الحل الأمثل هو البحث عن أرضية مشتركة بين الوالدين لتجنيب الأبناء مثل هذه الصراعات، وتمكينهم من التواصل مع آبائهم حتى عن بعد، أي بواسطة الفيسبوك والإنترنت". يضيف الرقيق أنّ التوتر والخلافات قد تؤدي إلى قطع العلاقات تماماً، إذ ليس سهلاً على بعض الآباء السفر لرؤية أبنائهم، ليعانوا من الاكتئاب والغضب والعصبية بسبب التفكك الذي يتعب الآباء والأبناء على حدّ سواء.