بعد بحث طويل عن فرصة عمل في خارج تونس، وقّع أحمد نوار (33 عاماً)، قبل نحو عام عقد عمل في إحدى الدول الخليجية عبر شركة تونسية خاصة للتوظيف. وعند وصول الشاب الحاصل على شهادة عليا في الهندسة المعلوماتية إلى العنوان المحدّد في العقد، وجد نفسه عاملاً في أحد محلات بيع الأحذية، علماً أنّه سدّد مبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي لشركة التوظيف. هكذا، وقع نوار، بحسب ما يخبر "العربي الجديد"، ضحيّة عملية نصب واحتيال فعاد توّاً إلى البلاد. ونوار الذي لم يقصد في يوم مقرّ شركة التوظيف المزعومة، لا يعرف عنواناً لها إلا ذاك الخاص بصفحتها الإلكترونية التي أغلقت. كذلك، وُضعت كل أرقام الهاتف التي كان يتواصل عبرها مع صاحب الشركة خارج الخدمة.
ونوار ليس أوّل التونسيين الذين تعرّضوا لعملية احتيال مماثلة من قبل شركة توظيف وهمية ولا آخرهم. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي تطلقها الجهات الرسمية المختصة، لا سيّما وزارة التكوين المهني والتشغيل، فإنّ ضحايا الشركات الوهمية يُقدَّرون بالآلاف. وبينما يوقّع أحدهم على عقد توظيف معيّن ليجد نفسه في عمل لا يتناسب مع مؤهلاته العلمية أو غيرها، يجد آخر نفسه مشرّداً دون عمل يعتاش منه ولا مسكن يؤويه في بلد توقّع الحصول فيه على "عمل محترم".
وتمضي مثل تلك الشركات الوهمية باستغلال أزمة البطالة التي تطاول أكثر من 700 ألف تونسي، من بينهم 280 ألفاً من حملة الشهادات العليا. ويبدو أنّ دول الخليج العربي هي الوجهة الأولى للتونسيين في خلال بحثهم عن فرصة عمل، وتحظى بالعدد الأكبر من عقود التشغيل القانونية وغير القانونية بالمقارنة مع غيرها من الدول، وذلك بسبب صعوبة الإجراءات القانونية وشروط منح التأشيرات الخاصة بدول الاتحاد الأوروبي. لذا يرتفع عدد التونسيين الذين تعرّضوا للاحتيال في دول خليجية خصوصاً.
في سياق متصل، ألقي القبض أخيراً على امرأة تبلغ من العمر 28 عاماً وقد حكم عليها بالسجن لمدة تسعة أعوام، على خلفية قضية احتيال. وقد بيّنت وزارة الداخلية أنّ المتّهمة تعمّدت إنشاء شركة خدمات وهميّة وإيهام أشخاص كثر بقدرتها على التوسّط لفائدتهم بهدف الحصول على عقود عمل في دول الخليج العربي، وذلك في مقابل حصولها على مبالغ مرتفعة. وبالتأكيد، ليست تلك المرأة هي الأولى ولا الأخيرة التي يُلقى القبض عليها على خلفية احتيال على الشباب من خلال شركة توظيف وهمية، فكثيرات وكثيرون أوقفوا بتهم مماثلة.
وفي حين تتوالى عمليات الكشف عن الشبكات أو الشركات التي تغرّر بشباب تونس، فإنّ عدد الضحايا يبقى كبيراً. يُذكر أنّ ثمّة 22 مكتباً قانونياً تابعاً لوزارة التكوين المهني والتشغيل، مهمّتها عرض عقود قانونية للعمل في عدد من الدول في خارج تونس، من دون أيّ مقابل مادي، غير أنّ عروضها تكون غالباً محدودة جداً. وبحسب ما تفيد بيانات الوزارة، فإنّ عدد التونسيين المتعاقدين للعمل في دول الخليج العربي عبر القطاع العام بلغ ثمانية آلاف موظف، 14 في المائة منهم في اختصاصات التعليم والهندسة وطب الاختصاص. وتجدر الإشارة إلى أنّ الوزارة نفسها تحذّر باستمرار من ممارسات مكاتب التوظيف الخاصة غير المعترف بها في تونس، وتنبّه كذلك كل الباحثين عن فرصة عمل في دول أخرى إلى عدم التعامل مع المكاتب الخاصة للتوظيف غير الحاصلة على ترخيص قانوني من الوزارة. لكنّ تحذيرات الوزارة لا تلقى تجاوباً، فالشباب يبحث عن فرصة عمل في خارج البلاد بشتّى السبل. وتلفت الوزارة إلى أنّ كثيرين غُرّر بهم وأوهموا بأنّهم سوف يحصلون على رواتب كبيرة، الأمر الذي شجّعهم على سداد مبالغ تتجاوز خمسة آلاف دولار أميركي في بعض الأحيان.
من جهته، عبد الحفيظ (31 عاماً)، الذي يحمل شهادة عليا في ميكانيك السيارات، واحد من هؤلاء الشباب الذين حلموا بالحصول على وظيفة تضمن لهم لقمة عيش كريمة في إحدى دول الخليج العربي، إلّا أنّه لم يجد أيّ وظيفة في انتظاره عندما بلغ وجهته، بعدما سدّد خمسة آلاف دولار أميركي لشركة توظيف وهمي. أمّا المسكن، فكان يؤوي عشرات الشبان التونسيين الذين تعرّضوا كذلك للاحتيال من قبل الشركة نفسها. ويخبر عبد الحفيظ "العربي الجديد" بأنّه عاد بعد أسبوع واحد برفقة عدد من الشبان، فيما بقي آخرون يبحثون عن فرص عمل، مضيفاً أنّهم رفعوا قضية على صاحب الشركة التي اتضح أنّ ضحاياها بالمئات.
تجدر الإشارة إلى أنّ النائب في مجلس نواب الشعب التونسي عن حركة النهضة، ماهر المذيوب، كان قد تناول هذه القضية الشائكة في خلال إحدى الجلسات، متحدثاً عن نحو خمسة آلاف شخص تعرّضوا للاحتيال عبر عقود عمل وهمية بين عامَي 2014 و2018.