توم & جيري

20 فبراير 2020
رفيقا طفولتنا (مترو غولدوين ماير)
+ الخط -

ثمانون عاماً. عمر بحاله! على الرغم من تلك العقود الطويلة، لم يشخ توم ولا جيري. ما زال القطّ الأزرق الرماديّ والفأر البنيّ فتيَّين وبكامل حيويّتهما ونشاطهما، وما زالا منخرطَين في مغامرات وعمليّات كرّ وفرّ لا تحصى تبثّها قنوات تلفزة مختلفة حول العالم.

قبل أيّام، أطفأ توم وجيري شمعاتهما الثمانين، هما اللذان أبصرا النور، لا بل سُجّلت إطلالتهما الأولى أمام الجمهور العريض في الولايات المتحدة الأميركيّة، في العاشر من فبراير/ شباط من عام 1940. حدث ذلك في فيلم رسوم متحرّكة قصير من تأليف وإخراج وليام حنّا وجوزف باربيرا اللذَين كانا قد أتيا بمحاولات سابقة ذات صلة لم تلقَ ترحيباً من قبل القائمين على شركة الإنتاج الأميركيّة "مترو غولدوين ماير". ففي عام 1939، رفض رئيس قسم الأفلام القصيرة في الشركة فريد كويمبي ما قدّماه له، بحجّة أنّ فكرة العداء ما بين القططة والفئران "مبتذلة بعض الشيء". لكنّ حنّا وباربيرا أصرّا على المضيّ قدماً بمشروعهما، مع بطلَيهما "جاسبر" القطّ و"جينكس" الفأر. هكذا كانا يُدعيان في الفيلم وفي الحلقات الأولى من السلسلة التي أُطلق عليها لاحقاً "توم & جيري" تيمّناً بالاسمَين الجديدَين للبطلَين اللذَين حقّقا نجاحاً عالميّاً باهراً تخطّى كلّ التوقّعات.

بمظهرَيهما المحبّبَين، رافقنا توم وجيري في خلال سنيّ طفولتنا، وما زالا اليوم يثيران في نفوسنا شعوراً لا يتكرّر. هو كناية عن نوستالجيا معطوفة على بهجة غير متكلّفة وكذلك على حماسة يصحّ وصفها بالبريئة، فنحن ما عدنا نختبرها منذ زمن طويل. ونرى أنفسنا وقد تسمّرنا أمام شاشة تلفاز، كلّما شاهدنا مطاردة ما بين القطّ الأزرق الرماديّ والفأر البنيّ. أن تكون الحلقة مكرّرة، أمر غير مهمّ. لا ملل في ذلك التكرار. ففي كلّ مرّة، يجد الواحد منّا نفسه في ما يشبه حالة انخطاف. الاستمتاع كبير، لا بل لا متناهٍ. ففي كلّ واحدة من حلقات السلسلة تشويق، فيما الضحكات تصدح من القلب. لا شكّ في أنّنا في حاجة إلى هامش مماثل، بعيداً عن ضغوط يوميّاتنا. وفي خلال مشاهدتنا تلك، اليوم كما في الأمس، نجد أنفسنا وقد انحزنا إلى واحد من الطرفَين. بمعظمنا، نرى أنفسنا متعاطفين مع جيري. ربّما كان حجمه الصغير هو ما يدفعنا إلى ذلك أو دهاؤه الكبير. ففي حين يرى كثيرون في توم "الشرّ المطلق" ويعدّونه مثالاً لـ"الظالم"، يغضّون الطرف عن كلّ فعل استفزاز يأتي به جيري... وما أكثر تلك الأفعال. قد تكون "الشفقة" واجبة على الأوّل.



في الأعوام الأخيرة، ذهب محلّلون إلى التحذير من "عنف" تتضمّنه سلسلة "توم & جيري"، في حين عدّها آخرون "غير تثقيفيّة". لن نخوض في ذلك هنا، لا سيّما أنّنا لن نكون حياديّين، على الأرجح. ارتباطنا العاطفيّ بتلك السلسلة لن يسمح لنا بأيّ "تحليل منطقيّ"، غير أنّه يكفينا أنّها من ذاكرتنا الجميلة وتجعلنا نبتسم وسط كلّ الغمّ المحيط بنا.
دلالات
المساهمون