مثّل صدور كتاب المفكر الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي (1971)، "رأس المال في القرن الحادي والعشرين" سنة 2013، حدثاً على أكثر من مستوى، بداية بجرأة المشروع في حدّ ذاته، بإعادة بناء العمل الضخم لكارل ماركس مع تحيين أداواته ومسلّماته المعرفية، وهو أمر ليس هيّناً بالمرة على خلفية ما عرفته علوم مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم التاريخ من تحوّلات عميقة. كما تفاجئ البعض من النجاح الجماهيري لعمل يبدو وكأنه موجّه للمتخصّصين.
بعد ذلك العمل، أصبح بيكيتي أحد أشهر أسماء الفكر الاقتصادي في عالم اليوم، فإذا أصدر عملاً جديداً، كما هو الحال مع كتابه الأخير "رأس المال والأيديلوجيا" (2019) بات يجد بسرعة مكانه تحت الأضواء الإعلامية، وأيضاً في لوائح الأكثر مبيعاً، وهو أمر نادر بالنسبة للكتب الفكرية والاقتصادية.
حول هذا كتابه الأخير يتحدّث بيكيتي، غداً الخميس بداية من الرابعة والنصف مساء في "المكتبة الوطنية" في الرباط، متناولاً أهم عناصره، ومضيئاً تقاطعاته مع مجمل مشروعه المعرفي، وخصوصاً مع تخصّصه الدقيق وهو علم اقتصاد الفوارق الاجتماعية.
على الرغم من أن كتاب "رأس المال والأيديولوجيا" يضمّ قرابة 1200 صفحة، وهو في ذلك غير بعيد من ناحية الحجم عن كتاب "رأس المال في القرن العشرين"، فإن الطبعة الفرنسية باعت بين أيلول/ سبتمبر 2019 ومنتصف كانون الثاني/ يناير الجاري ما يقدّر بمليونين وخمسمئة نسخة، كما أن العمل انتقل بسرعة إلى لغات أخرى.
أما الفكرة الرئيسية للعمل فهي التساؤل عن الطريقة التي تنجح من خلالها فئات اجتماعية كثيرة في تبرير الفروقات على مستوى الدخل وتوزيع الثروة بشكل عام، ولعله حديث ذو شحون في واقع المنطقة العربية، فلا يخفى أن أحد أسباب اندلاعها هو شعور فئات موسّعة من المجتمع بالإقصاء على مستوى الفائدة الاقتصادية والقرار السياسي.