كما أتى نجاح نتنياهو نتاج لعبه على الأعصاب الحساسة للمجتمع الإسرائيلي، عبر استثارة مشاعر الكراهية وبعث المخاوف على مستقبل إسرائيل، فضلاً عن حرصه على التعبير صراحة، عن المنطلقات الأيديولوجية والخلفيات الذهنية التي تشرّبتها جماهير اليمين التي تشكل أغلبية الإسرائيليين. ولقد فطن نتنياهو إلى توظيف الاستقطاب العرقي والطبقي، الذي يعانيه المجتمع الإسرائيلي في مسعى لتجنيد هذا الاستقطاب لصالحه.
ونجح رئيس الوزراء الإسرائيلي في نسف الاتهامات التي وجهتها له المعارضة والنخب المختلفة، بأنه يهدد مستقبل إسرائيل من خلال عرضه خطاً متشدداً حول كل ما يتعلق بتسوية الصراع مع الفلسطينيين. فعبر تكتيك استثارة الخوف، جاء ردّ نتنياهو بسيطاً، إذ عكف على التأكيد أن التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، تحتم على إسرائيل عدم التفريط بالأراضي التي تشكل ذخراً استراتيجياً لها. وقد استندت محاججة نتنياهو على أن كل شبر تتخلى عنه إسرائيل في الضفة الغربية، سيتحول إلى نقطة انطلاق لـ"الجهاديين"، الذين سيستهدفون تل أبيب. ولم يفت نتنياهو الإشارة إلى أن اليسار الإسرائيلي هو آخر من يدرك هذه التحولات ويتحوط لتداعياتها.
اقرأ أيضاً: "نتنياهو الرابع": مشاورات مبكرة لحكومة اليمين المتطرف
من جهته، يرى رئيس تحرير "هارتس"، ألوف بن، أن نتنياهو حقق الفوز لأنه "ببساطة توقف عن تقمص شخصية السياسي الذي ينتمي للوسط"، وأخذ يعبّر بصراحة عن مواقف اليمين التقليدية التي تستند إلى الإفصاح عن الكره للعرب كونهم عرباً، ورفض الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأوضح بن، في مقال نشرته الصحيفة يوم الخميس الماضي، أن قواعد اليمين كانت تتمنى أن تسمع هذا من نتنياهو، لذلك جاملته بالاستنفار للتصويت بكثافة لليكود. وأكد رئيس تحرير "هارتس" أن نتنياهو أثبت لجماهير اليمين أنه "أكثر فاشية من (زعيم حزب البيت اليهودي) نفتالي بينيت، وأكثر عنصرية من (وزير الخارجية) أفيغدور ليبرمان، لذلك انجرفت جماهير حزبيهما للتصويت له". وفي نظر بن، فقد تمكن نتنياهو من إقناع الجماهير بعدم الالتفات لدور حكوماته في التسبب في الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها قطاعات واسعة من الإسرائيليين، وفي مقدمتها أزمة السكن. ويرى رئيس تحرير "هارتس" أن نتنياهو نجح في إقناع رجل الشارع الإسرائيلي، بأن العداء العربي لإسرائيل هو مصدر الخطر الكبير الذي يتهدد الدولة ومستقبلها. وأوضح بن أن قوى اليسار والوسط أخطأت عندما اعتقدت أن الانكباب على طرح أيديولوجية سياسية، في كل ما يتعلق بالموقف من الصراع من الفلسطينيين يضرّ بفرصها، وأنه يتوجب التركيز على ما يمكن أن يمثل نقطة ضعف لنتنياهو وهي اخفاقات حكوماته على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
أما يوسي ليفي، الذي عمل في السابق مستشاراً استراتيجيا لنتنياهو، فيرى أن الأخير نجح لأنه أتقن توظيف الاستقطاب الطبقي والعرقي في المجتمع الإسرائيلي. وفي مقابلة أجراها معه موقع "والا" يوم الجمعة، أشار ليفي إلى أن نتنياهو تمكن من استعداء سكان المناطق التي تعيش ضائقة اقتصادية، ولا سيما مدن التطوير والضواحي والأحياء الشعبية في المدن الكبرى، وهم في الغالب من الشرقيين والمهاجرين الروس الجدد، على النخب العسكرية والإعلامية والثقافية والفنية التي توحدت في حملة غير مسبوقة للمطالبة بإنهاء حكمه.
ويرى ليفي أن نتنياهو نجح في إقناع القطاعات السكانية التي تقطن مناطق الضائقة الاقتصادية، بأن النخب تقف ضده لأنه يرأس الحزب الأكثر تماثلاً مع هموم هذه القطاعات ومصالحها. وحسب المعطيات التي طرحتها اللجنة المركزية للانتخابات، فقد تبين أن ما قاله ليفي دقيق، إذ إن استجابة سكان مدن التطوير والضواحي والأحياء الشعبية لنداء نتنياهو، فاق كل التوقعات، وهذا ما يفسر فوزه غير المتوقع في الانتخابات.
من جهته، يعتبر المفكر إيلان كابروف أن فوز نتنياهو جاء نتاج سلوك اليسار الذي يستحي من كونه يساراً. ويشير كابروف إلى أن قوى اليمين نجحت في نزع الشرعية الشعبية عن حق اليسار في العمل السياسي، إذ تمكنت من تقديم مصطلح (اليسار) كـ"رديف للخيانة ومعاداة الوطن، والتحالف مع الأعداء"، لدرجة أن الأحزاب والحركات التي يفترض أن تمثل اليسار لم تجرؤ على مواجهة حملة نزع الشرعية هذه، بل إن الكثير من النخب اليسارية لم تبذل جهداً في الدفاع عن حقها في طرح اليسار كبديل للسلطة الحاكمة. وفي مقال نشرته صحيفة "معاريف"، ضرب كابروف مثالاً يوضح الحساسية التي أبداها اليسار لكي يدرأ عن نفسه تهمة "اليسارية"، إذ أشار إلى أن رئيس حزب العمل أمر بعدم السماح بظهور النائب ستاف شابير، لأنها تجاهر بعرض مواقف يسارية صريحة خشية أن يؤثر ظهورها على فرص الحزب بالفوز. ولفت كابروف إلى أن حزب العمل لم يجرؤ خلال الحملة الانتخابية على طرح ذاته كبديل، لأنه رفض بإصرار أن يلتزم بعدم الانضمام لحكومة بقيادة نتنياهو بعد الانتخابات. ويرى كابروف أنه نظراً لأن اليسار لم يعرض نفسه كبديل جدي لحكم نتنياهو، فإن معظم المستوطنين في المدن الجنوبية والشمالية التي أدت سياسات حكومة نتنياهو، إلى تفاقم أزمة البطالة فيها قد صوتوا تحديداً لليكود.
اقرأ أيضاً: فصول من تحريض نتنياهو ضد عزمي بشارة وآخرين