27 سبتمبر 2018
توحش النظم ورأسمالييها
حين حدثت الأزمة المالية في جنوب شرق آسيا سنة 1997، ارتبك صندوق النقد الدولي، لأن كل الشروط التي فرضها أفضت إلى هذا الانهيار. وظهر أن دوره اختفى، بعد أن اعترف بعض خبرائه بخطل السياسات التي فرضها. لكن هذه السياسات أفضت، بعد الأزمة المالية الهائلة سنة 2008، إلى ثوراتٍ في عدد من البلدان العربية، أظهرت أن كل السياسات التي فرضها صندوق النقد شرطا لتقديم قروض مالية مباشرة منه، أو من بنوك دولية، قد كانت في أساس تلك الثورات. وبالتالي، كان من المفترض أن يجري تجاوز كل شروط الصندوق، وأن يُعاد النظر في السياسات الاقتصادية.
على العكس من ذلك، عاد الصندوق إلى الظهور بعيد الثورات تلك، وأعاد فرض شروطه، وفرض الاستمرار في السياسات التي أدّت إلى نشوء كل الظروف التي فرضت الثورات. ولا تتعلق المسألة هنا فقط بالصندوق، فهو يمثّل طغما مالية تريد توظيف تريليونات الدولارات باتت مكدسة في البنوك، وتريد الربح الأعلى. تتعلق المسألة بالنظم القائمة، وبالرأسمالية التي تتحكم بها أيضاً. فالطغم المالية تريد تسريع التراكم المالي، والرأسماليات المحلية تريد ذلك أيضاً. تريد الطغم المالية فرض الديون على النظم توظيفا ماليا، والرأسماليات المحلية تسرق الديون. ولهذا تفرض على الشعوب أن تسدِّد هي أقساط الديون وفوائدها، من خلال الزيادة المضطردة في الضرائب، ورفع الأسعار، وزيادة أسعار المشتقات النفطية، على الرغم من أن كل الخطاب الإعلامي لهذه النظم يقول إنه يدعم تلك المشتقات.
ما بقي بيد النظم هو خصخصة كل ما بيد الدولة، وتحرير العملة، وبالتالي انهيار قيمتها، والزيادة الضخمة في الضرائب على كل شيء. وهذا ما تقوم به، حيث تحرّرت العملة في مصر، وبدأت خطوات في المغرب، وتتحضر تونس لذلك، ولقد فعلها السودان، وربما تسير النظم الأخرى في المسار نفسه. وتقوم الأردن بزيادة كبيرة في الضرائب، وفرضها على سلع لم تكن تشملها بما في ذلك الكتب (وحتى الأدوية التي جرى التراجع عنها). وتلحقها مصر وتونس والمغرب والسودان والسعودية والإمارات ودول أخرى. وباتت الخصخصة تشمل ما بقي من شركات وعقارات ومؤسسات بيد الدولة، بما في ذلك التعليم والصحة والمراصلات. وحتى شركة أرامكو السعودية بات جزء منها مطروحا للخصخصة. وبهذا، تقفز الأسعار بشكل متسارع، بينما تبقى الأجور كما هي. على العكس، يطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض الأجور في المؤسسات الحكومية. كيف ستعيش الشعوب إذن؟
لقد أُفقرت الشعوب، لكن النظم لا زالت تُمعن في إفقارها. ولهذا تزيد الضرائب بشكل غير عقلاني، وترفع الأسعار بشكل جنوني، وتحوّل "الحاجات الطبيعية" للبشر إلى سلع يجب دفع أثمانها. ربما اعتقدت النظم أن الثورات التي حدثت أرهقت الشعوب، وأفرغت احتقانها. بالتالي، يمكن الاستمرار في امتصاص دمها. هذا اعتقاد ليس خاطئاً فقط، بل هو في غاية السذاجة، بالضبط لأن "الجوع كافر"، فليس من الممكن أن يهدأ مواطن، وهو عاجز عن أن يجد لقمة خبر، أو دواء لطفله. وإذا لم يتحرّك الآن فسوف ينفجر غداً.
تسير الأمور نحو الانفجار، لم تبق وحشية الرأسماليات المافياوية المسيطرة ونظمها مجالاً لكي تبقى الشعوب راكدة، بل تفرض كل إجراءاتها الاقتصادية بالحتم عليها الانفجار. لم يكن الوضع قُبيل الثورات بهذا السوء، على الرغم من ذلك حدثت الثورات. والآن، بعد كل هذا السوء، لا إمكانية إلا لانفجار الثورات من جديد. فلا أحد يعتقد أنه ضامن لتجاوز الوضع الثوري القائم، أو أن التخويف بما جرى في سورية أو اليمن أو ليبيا من قتل وتدمير يمكن أن يردع الشعوب، حين تصل إلى حافة الموت جوعاً، أو حتى أسوأ من ذلك.
التمركز المالي يشتدّ، حيث تُفقر أغلبية مجتمعية، وتعيش على الكفاف وأسوأ من ذلك، بينما تستحوذ أقلية ضئيلة على مليارات الدولارات، وهي تزيد في ثروتها بشكل متسارع على حساب الشعوب. أي وضعٍ مناسبٍ للثورة أكثر من ذلك؟
على العكس من ذلك، عاد الصندوق إلى الظهور بعيد الثورات تلك، وأعاد فرض شروطه، وفرض الاستمرار في السياسات التي أدّت إلى نشوء كل الظروف التي فرضت الثورات. ولا تتعلق المسألة هنا فقط بالصندوق، فهو يمثّل طغما مالية تريد توظيف تريليونات الدولارات باتت مكدسة في البنوك، وتريد الربح الأعلى. تتعلق المسألة بالنظم القائمة، وبالرأسمالية التي تتحكم بها أيضاً. فالطغم المالية تريد تسريع التراكم المالي، والرأسماليات المحلية تريد ذلك أيضاً. تريد الطغم المالية فرض الديون على النظم توظيفا ماليا، والرأسماليات المحلية تسرق الديون. ولهذا تفرض على الشعوب أن تسدِّد هي أقساط الديون وفوائدها، من خلال الزيادة المضطردة في الضرائب، ورفع الأسعار، وزيادة أسعار المشتقات النفطية، على الرغم من أن كل الخطاب الإعلامي لهذه النظم يقول إنه يدعم تلك المشتقات.
ما بقي بيد النظم هو خصخصة كل ما بيد الدولة، وتحرير العملة، وبالتالي انهيار قيمتها، والزيادة الضخمة في الضرائب على كل شيء. وهذا ما تقوم به، حيث تحرّرت العملة في مصر، وبدأت خطوات في المغرب، وتتحضر تونس لذلك، ولقد فعلها السودان، وربما تسير النظم الأخرى في المسار نفسه. وتقوم الأردن بزيادة كبيرة في الضرائب، وفرضها على سلع لم تكن تشملها بما في ذلك الكتب (وحتى الأدوية التي جرى التراجع عنها). وتلحقها مصر وتونس والمغرب والسودان والسعودية والإمارات ودول أخرى. وباتت الخصخصة تشمل ما بقي من شركات وعقارات ومؤسسات بيد الدولة، بما في ذلك التعليم والصحة والمراصلات. وحتى شركة أرامكو السعودية بات جزء منها مطروحا للخصخصة. وبهذا، تقفز الأسعار بشكل متسارع، بينما تبقى الأجور كما هي. على العكس، يطالب صندوق النقد الدولي بتخفيض الأجور في المؤسسات الحكومية. كيف ستعيش الشعوب إذن؟
لقد أُفقرت الشعوب، لكن النظم لا زالت تُمعن في إفقارها. ولهذا تزيد الضرائب بشكل غير عقلاني، وترفع الأسعار بشكل جنوني، وتحوّل "الحاجات الطبيعية" للبشر إلى سلع يجب دفع أثمانها. ربما اعتقدت النظم أن الثورات التي حدثت أرهقت الشعوب، وأفرغت احتقانها. بالتالي، يمكن الاستمرار في امتصاص دمها. هذا اعتقاد ليس خاطئاً فقط، بل هو في غاية السذاجة، بالضبط لأن "الجوع كافر"، فليس من الممكن أن يهدأ مواطن، وهو عاجز عن أن يجد لقمة خبر، أو دواء لطفله. وإذا لم يتحرّك الآن فسوف ينفجر غداً.
تسير الأمور نحو الانفجار، لم تبق وحشية الرأسماليات المافياوية المسيطرة ونظمها مجالاً لكي تبقى الشعوب راكدة، بل تفرض كل إجراءاتها الاقتصادية بالحتم عليها الانفجار. لم يكن الوضع قُبيل الثورات بهذا السوء، على الرغم من ذلك حدثت الثورات. والآن، بعد كل هذا السوء، لا إمكانية إلا لانفجار الثورات من جديد. فلا أحد يعتقد أنه ضامن لتجاوز الوضع الثوري القائم، أو أن التخويف بما جرى في سورية أو اليمن أو ليبيا من قتل وتدمير يمكن أن يردع الشعوب، حين تصل إلى حافة الموت جوعاً، أو حتى أسوأ من ذلك.
التمركز المالي يشتدّ، حيث تُفقر أغلبية مجتمعية، وتعيش على الكفاف وأسوأ من ذلك، بينما تستحوذ أقلية ضئيلة على مليارات الدولارات، وهي تزيد في ثروتها بشكل متسارع على حساب الشعوب. أي وضعٍ مناسبٍ للثورة أكثر من ذلك؟