في هذا السياق، يؤكد عضو مكتب البرلمان، القيادي في حركة النهضة، الحبيب خذر، لـ"العربي الجديد"، أن البرلمان التونسي تلقى، الأربعاء، رسالة من الصيد تضمنت طلباً رسمياً بتحديد جلسة عامة لعرض حكومته على التصويت لتجديد الثقة، مضيفاً أن البرلمان سيبتّ فيها سريعاً، وإذا استوفت شروطها القانونية يحدد جلسة عامة للغرض في أجل أقلّه أسبوع وأقصاه أسبوعان.
وينبّه الحبيب خذر إلى أنه في حال لم تُجدد الثقة بالصيد، فإن الرئيس التونسي سيتولى تعيين الشخصية التي يراها الأكثر قدرة وكفاءة، ويكلّفها بتشكيل حكومة في أجل شهر يجدّد لمرة واحدة، مشيراً إلى أن حزب الأكثرية إثر الانتخابات، وهو "نداء تونس"، لا يستطيع في حال سقوط الحكومة استعمال صلاحيته الدستورية باختيار الشخصية، وإنما يسند الدستور ذلك لرئيس البلاد.
وبدت المواقف من رسالة الصيد معدّة مسبقاً ومحسومة، وتشير معطياتها إلى عدم حصول الصيد على أغلبية مطلقة (109 أصوات) للعودة لمنصبه، إذ أعرب كل من "النداء" (67 صوتاً)، و"الوطني الحر" (12 صوتاً)، و"آفاق تونس" (9 أصوات)، و"الجبهة الشعبية" (15 صوتاً)، وعدد من أعضاء الكتلة الاجتماعية ونواب الأحزاب المعارضة عن رفضهم تجديد الثقة. فيما لم تحسم حركة النهضة (69 صوتاً)، و"الكتلة الحرة" (25 صوتاً) موقفهما من التصويت لصالح الصيد أو ضده، على الرغم من أن "النهضة" طالبت الصيد بعدم تعطيل المبادرة الرئاسية.
ويقول النائب عن حركة النهضة ناجي الجمل، لـ"العربي الجديد"، إن الكتلة لم تحسم أمرها بعد في اختيار الحبيب الصيد للتوجه إلى البرلمان، مبيناً أن الحزب سيعقد اجتماعاً عاجلا للبتّ في المسألة والتشاور حول التصويت.
أما الكتلة الحرة، فإنها تعوّل على شرح الصيد لأسباب استقالته ومبرراته حتى تحدد في أي اتجاه يذهب تصويتها. ويوضح المنسق العام لحزب مشروع تونس، الذي تمثله الكتلة الحرة في البرلمان، محسن مرزوق، لـ"العربي الجديد"، أن التصويت يعتمد على ما سيتضمنه بيان الحبيب الصيد خلال الجلسة، وعلى عرضه لأعضاء حكومته بدورهم لتجديد الثقة ليتم تقييمهم ومساءلتهم علناً. ويفصل مرزوق بين استقالة الصيد خارج البرلمان وطلب تجديد الثقة، قائلاً إن ''المسألة بالنسبة لمشروع تونس لم تعد سياسية كما كانت من قبل، إذ دعت قيادات مشروع تونس الصيد صراحة للتنحي وإفساح المجال للمبادرة، وبما أنها تغيّرت وصارت داخل الأطر الدستورية، فإن الكتلة ستقرر التصويت لتجديد الثقة من عدمها، وفق ما سيقوله الصيد في الجلسة المخصصة لذلك".
في المقابل، يعتبر "نداء تونس" أنّ الخطوة جاءت متأخرة وكان على الصيد الاستقالة وتوفير الوقت، وفق القيادي عبد العزيز القطي. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن الصيد قام بدوره الذي انتهى، والمرحلة المقبلة تتطلب نفساً جديداً ورجالات جدد لقيادتها، وسيمضي النداء بدوره في عدم تجديد ثقته بالصيد. ويبيّن القطي أن "كتلته كما بقية كتل الائتلاف الحاكم لن تمنح الصيد ثقتها مجدداً، وقد أعلمته مسبقاً برفع الغطاء السياسي، فيما يمكن أن يعود وزراء ندائيون من طاقم الصيد إلى الحكومة المقبلة". ويشير القطي إلى أنّه "قانونياً ودستورياً لا شيء يمنع من إعادة وزراء من حكومة الصيد لم تجدد فيهم الثقة، وإسناد حقائب وزارية إليهم".
من جانبه، أشاد الاتحاد الوطني الحر برئيس الحكومة لتشبثه بالمسار الدستوري لتنحيه عبر طلبه تجديد الثقة، على الرغم من يقينه بأنها لن تنال الثقة مجدداً، إذ سيصوت "الوطني الحر" في انسجام مع تصويت "النداء". ويقول رئيس الكتلة طارق الفتيتي، لـ"العربي الجديد"، إن طلب الصيد عرض حكومته لتجديد الثقة "خروج من الباب الكبير"، مشيراً إلى أنه في حال بقي الصيد، فإن علاقته بالرئيس التونسي ستكون شبيهة بعلاقة الرئيس السابق منصف المرزوقي ورئيس الوزراء السابق مهدي جمعة التي كانت متوترة، واقتصرت على المراسلات الرسمية، في حين أن البلاد في ظرف لا يحتمل، وتحتاج تناغماً بين مؤسساتها.
في السياق ذاته، اعتبر "آفاق تونس" أن رسالة الصيد آلية ديمقراطية استخدمها في ظل غياب أي إسناد سياسي له، ما يعني أن حكومته مستقيلة، فضلاً عن أنه لم يعد يحظى بثقة حزب الأكثرية الذي عيّنه وهو "نداء تونس". كما أنّ "آفاق" لن يؤزم الوضع أكثر بالتصويت لصالح منحه الثقة مجدداً ويخلق أزمة بين أحزاب الائتلاف، على حد تعبير رئيسة كتلته البرلمانية، ريم محجوب، لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن "آفاق تونس" سيعقد اجتماعاً لمكتبه السياسي لمناقشة عودة وزرائه في حكومة الصيد إلى الحكومة المقبلة.
أمّا "الجبهة الشعبية" فلا تزال مصرّة على موقفها بعدم تجديد الثقة في حكومة لم تمنحها ثقتها أصلاً. ويشرح رئيس كتلة الجبهة، القيادي أحمد الصديق، لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة لا تتعلق برئيس الحكومة وإنما بالائتلاف الحاكم بعينه، وغياب أي برنامج يعمل عليه، عوضاً عن التزاحم على المناصب واقتسام الحصص، على حد قوله. ويلمح إلى أن هذه الفترة تشهد ابتزازاً على أشده بين الأحزاب الحاكمة في إطار تقسيم المناصب الوزارية بعد إقالة الصيد ورفع الثقة عنه من دون أن تقدم سبباً مقنعاً أو منطقياً، وإنما لوجود تفاهمات سياسية جديدة تقتضي تغيير بعض الأشخاص فيها.
ولم يحدد "التيار الديمقراطي" بعد شكل رفضه تجديد الثقة للحكومة بالتصويت ضدها أو التحفظ. ويوضح القيادي نعمان العش، لـ"العربي الجديد"، أن التيار غير معني بالموضوع وسيحاول دراسة الطلب على المستوى الحزبي وسيقرر التصويت لصالح رفض تجديد الثقة أو التحفظ، على اعتبار أنه لم يمنح الحكومة الثقة منذ انطلاق عملها كما لم يدع لإسقاطها. ويلفت العش إلى أن المعارضة تخشى من أن تحمل مرحلة ما بعد الصيد الأسوأ.