فجّر إعلان وزير التربية والتعليم الأردني الجديد عمر الرزاز عن أفكاره وقراراته الجديدة المرتقب تنفيذها في العام الدراسي المقبل، جدلاً كبيراً في الشارع الأردني، إذ وجدت بعض القرارات التي تم الكشف عنها في لقاءات الوزير الإعلامية، ترحيباً واسعاً من قبل الطلبة والتربويين، كونها ترمي إلى تغيير نظام تعليمي أصبح لا يناسب متطلبات العصر ويخنق التفكير الإبداعي، ويحصر جهود الطالب في تخطي المنهاج المحدد لنيل النجاح، وفق ما يقول المؤيدون، وبينما لاقى قرار منح طالب التوجيهي (الثانوية العامة الأردنية) فرصاً أخرى للتقدم للامتحان تأييداً، قوبل إلغاء توصيف (راسب / ناجح) من شهادة طلاب الثانوية العامة بانتقادات كثيرة، وتباينت المواقف إزاءه.
ويقيس امتحان التوجيهي قدرة الطالب على الحفظ فقط، وفق ما يرى الوزير الرزاز ذو الخلفية الاقتصادية والتنموية الواسعة، مشيرا في خرجاته الإعلامية المتعددة إلى ضرورة قياس الامتحان قدرة الطالب على الفهم والتفكير إلى جانب الحفظ، مؤكداً أنه من غير العادل وضع طلبة التوجيهي تحت ضغط المدة الزمنية وحرمانهم من الشهادة في حال لم ينجحوا خلال أربع دورات، إذ أصبح متاحاً أمام الطالب المزيد من الفرص، بهدف التقليل من نسبة الرسوب التي تعتبر إحدى ثغرات امتحان التوجيهي في الأردن.
وتقدم 171.273 طالبا وطالبة نظاميين إلى امتحان الثانوية العامة في الأردن خلال أعوام 2014 و2015 و2016، فيما بلغ عدد الراسبين والراسبات 100.254 وفقا لإحصاء موثق صادر عن وزارة التربية والتعليم الأردنية في أغسطس/آب من عام 2016. ولم يجد طرح إلغاء الرسوب قبولاً من قبل لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب، وبحسب رئيس اللجنة مصلح الطراونة، فإنه لا بدّ من وجود حد أدنى يقيّم على أساسه الطالب، ولا يجوز إلغاء الرسوب أو النجاح كلياً.
النقابة تؤازر قرارات الرزاز
ثمّن نائب نقيب المعلمين الأردنيين إبراهيم شبانة خطوات وزارة التربية الأخيرة، باعتبارها قرارات "هامة"، على حد وصفه. وجاء موقف النقابة مؤيداً لاتجاه الوزير الجديد على الرغم من معارضتها الشديدة للتعديلات التي أجريت على المناهج الأردنية، ورفضها باعتبارها تشويهاً متعمداً وعبثاً بالمناهج الوطنية.
وأكد شبانة في حديثه لـ "العربي الجديد" أن النقابة تشد على يد الرزاز وتدعم اتجاهه الإصلاحي، داعياً الوزارة إلى التروي قبل إصدار القرارات، والاعتماد على دراسات مستفيضة لصياغة استراتيجية واضحة، بإشراك المختصين والمعلمين والنقابة.
التربويون مختلفون
اعتبرت الحملة الوطنية من أجل حقوق الطلبة "ذبحتونا"، في بيان أصدرته، أن قرارات وزارة التربية والتعليم وتوجه الوزارة نحو إلغاء وصف (راسب / ناجح) من كشف علامات التوجيهي، تزيد من حالة التخبط والتراجع.
وأوضح منسق الحملة الدكتور فاخر الدعاس في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن أسباب الرفض تتعلق بوجود إشكاليات بمخرجات التعليم الجامعي في الأردن، وإلغاء الرسوب سيضاعفها، كما أن إلغاء الرسوب يعني ترحيل المشكلة إلى سوق العمل عبر الزج بأفراد غير مؤهلين، وفقاً لقوله.
ودعا الدعاس إلى ضرورة معالجة الخلل بدءاً من المراحل الأساسية، وذلك باعتماد استراتيجية واضحة للتغيير، وعدم الاتكاء على قرارات "مبتورة". وانتقدت الحملة سرعة إنتاج القرارات، بالنظر إلى أنها قرارات فردية للوزير، لا تعكس جهداً تربوياً مؤسسياً، كما لم يتم إشراك وزارتي التعليم العالي والعمل في بلورتها.
بالمقابل أيّد الباحث والخبير التربوي حسني عايش اتجاه الوزارة إلى إلغاء وصف راسب / ناجح من النتيجة، فمن وجهة نظره "الرسوب يترك لدى الطلاب شعوراً بالخيبة واللاقيمة، كما يلحق بعائلاتهم الأذى، والتي بدورها تلوم أبناءها وبناتها على رسوبهم، وقد تعاقبهم، وقد ينقلب حال الطالب ويتغير للأفضل، فلماذا نطلق عليه (راسب)، وكأنه مدان بذلك".
وأوصى عايش بترك الحكم على كشف العلامات للجامعات ومن ثم جهة العمل، وربط نوع المواد وعددها في الامتحان بالتخصص الذي يرغب الطالب/ة في الالتحاق به.
ودعم الخبير التربوي ذوقان عبيدات التطورات الجديدة، مؤكدا أهمية إلغاء الرسوب والنجاح من كشف الطالب، إذ يرى أن تخرج الطالب عقب اثنتي عشرة سنة من المدرسة بسمة راسب غير جائز من الناحيتين التربوية والإنسانية، وأكمل موضحا: "من الناحية التربوية، فإن عوامل عديدة ومتشابكة تحدد نتيجة الطالب، وليس الامتحان فقط، ولا يمكن اعتماد مستوى الطلبة بعزل العوامل الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والسياسية". ويؤكد عبيدات على ضرورة ارتباط أسئلة الامتحان بمهارات ولا تعتمد على الحفظ فقط.
أما من الناحية الإنسانية، فإلصاق سمة (راسب) بالطالب من شأنه أن يقلل مكانته في محيطه، في مجتمع اعتاد أن ينتقص من قدرات المخفقين في امتحان التوجيهي. واتفق مع عايش في أهمية ترك الحكم للجامعات على الطالب من خلال مجموع العلامات في كل مساق على حدة ، كون الأمر يكشف عن مستواه العلمي والتحصيلي.
فيما أوصى عبيدات بالالتفات إلى مرحلة ما قبل الامتحان وبعده، واتخاذ قرارات من شأنها أن تحول بيئة الامتحان إلى بيئة صديقة للطالب يحب الطالب التعايش معها، على أن تكشف الأسئلة عن قدرات الطالب على الفهم والتحليل ولا تعتمد على التلقين والحفظ فقط.
في المحصلة، فإن رسوب عشرات الآلاف من الطلبة الأردنيين سنوياً، يؤشر على خلل عميق في المنظومة التعليمية، يحتاج إلى تحسين المنهاج الدراسيّ، وأساليب التدريس، بالإضافة إلى إدارة الامتحان وفلسفته، في كل المراحل الدراسية وليس التوجيهي فقط، ليكون الإصلاح شاملاً متكاملاً، يرمي إلى تطوير التعليم والامتحان معاً، وفق ما أكده معارضو قرارات الوزير ومؤيدوها في إفاداتهم لـ"العربي الجديد".