يتواصل الجدل السياسي والاقتصادي والشعبي حول قانون المصالحة الاقتصادية والمالية، والذي اقترحته رئاسة الجمهورية، وأثار المعارضة برمتها التي حاولت أن تجند كل طاقاتها الشعبية والنيابية لمعارضة القانون معتبرة إياه تسامحاً مع الفساد وتشجيعاً على الإفلات من العقاب.
وخلص الائتلاف الرباعي الحاكم منذ أيام إلى إرسال لجنة مشتركة للنظر في تعديل المشروع حتى يلائم الدستور من ناحية ولا يتعارض مع قانون العدالة الانتقالية.
غير أن الجديد هو دخول بعض المنظمات ومؤسسات استبيانات الرأي على الخط، في محاولة لفهم رأي الشارع ومواقف المواطن التونسي من هذا القانون.
واتضح أن هناك بوناً شاسعاً بين ما تقترحه هذه المؤسسة وتلك، وما تعرضه من نتائج حول ردود أفعال المواطنين حول هذا القانون الذي يسيطر على مجريات الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة.
وفي حين تؤكد منظمة "أنا يقظ" أن نحو 92 بالمائة من التونسيين يعارضون إلى حد الآن هذا القانون، فقد أكدت مؤسسة "سيقما كونساي" أن 70 بالمائة يؤيدونه.
وأكد حسن الزرقوني مدير مؤسسة "سيقما" لـ"العربي الجديد" أنه عندما عرضت مؤسسته استبيان رأي التونسيين وجدت أن 90 بالمائة منهم لا يعرفون شيئاً عن القانون مطلقاً، وأن 9 بالمائة يعرفون بعض فصوله فقط في حين لم يطّلع على تفاصيله كاملة إلا 1 بالمائة فقط، وتم هذا الاستبيان في الفترة ما بين 12 و15 سبتمبر/أيلول الحالي.
وقال الزرقوني إن كل الأسئلة حول هذا القانون تصبح مستحيلة ولا تمكّن من التعرف على رأي التونسيين، ولهذا السبب طلب من مختصين قانونيين تلخيص القانون في فقرة وحيدة، تم عرضها من جديد على عينة تمثيلية للتونسيين وأدت إلى موافقة نحو 70 بالمائة عليه.
وتشير الفقرة الملخصة المعروضة إلى أنه "سيتم بموجب مشروع القانون اعتراف كل من تحصل على فائدة مالية أو ساهم في الفساد بكل التجاوزات أمام لجان مختصة، ثم يعيد هذه الأموال إلى الدولة مع ضريبة سنوية بـ 5 بالمائة عن هذه الأموال، كما يشمل القانون أيضاً موظفي الدولة الذين سهلوا تحصل رجال الأعمال على فائدة اقتصادية ما ولكن من دون أن يكونوا قد حصلوا على رشوة مقابل ذلك".
ويضيف الزرقوني أن الاستبيان الذي أنجزته مؤسسته عكس أيضاً شك نحو 50 بالمائة من المستجوبين في إمكانية تنفيذ هذا القانون حتى بعد المصادقة عليه.
كذلك دفع تواصل الجدل في تونس حول مشروع القانون خبراء وسياسيين ومكونات من المجتمع المدني إلى مزيد من دراسة الموضوع من حيث التجاذبات التي ما فتئ يطرحها وكيفية تلافي الغموض الذي يثيره، وعبرت حركة النهضة، اليوم السبت، في ملتقى انتظم ببادرة من "مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية"، عن مساندتها لمشروع المصالحة الاقتصادية مع تأكيدها ضرورة إدخال تعديلات عليه، فيما ترى مصادر من رئاسة الجمهورية أن التعديل لا يكون إلا تحت قبة مجلس نواب الشعب.
اقرأ أيضاً: "نداء تونس" يدعو لحوار حول تعديل قانون "المصالحة الاقتصادية"
وقال رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، رفيق عبد السلام، إنّ دراسة موضوع المصالحة الاقتصادية في حاجة إلى أن تناوله بروية، خاصة أن الآراء حول المصالحة الاقتصادية متباينة جداً فهناك من يعتبرها استحقاقاً طبيعياً سيحقق منافع اقتصادية في حين يرى آخرون أنه خيار غير صائب ويشرّع للفاسد.
وأكد رئيس المركز في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك موقفين حادين لا يعبران عن عموم الشعب التونسي وهما الرفض المطلق أو القبول المطلق.
وبيّن أن التوافق ضروري في مثل هذه المسائل، فالتوافق حصّن تونس من عدة تجاذبات كتلك التي حصلت في سورية واليمن فوضع تونس متقدم والفضل يعود إلى منهج التوافقات السياسية والتسويات بين مختلف المكونات السياسية.
وأضاف عبد السلام أن موضوع المصالحة في حاجة إلى حوار وطني وإلى تبصر وأن يتم الأخذ بعين الاعتبار بالمصالح الكبرى للبلاد، ملاحظاً أن التجربة العملية بينت أن هذا الخيار مفيد ونافع ولكن في صورة وجود ثغرات يجب دراسة الموضوع بتمعن ومراجعة هذه الثغرات.
وأكد أن موقف حركة النهضة من خلال التصريحات والبيانات المتتالية يبين أنها مع مشروع المصالحة ولكن مع تعديل وتطوير المشروع ليكون منسجماً مع الخيار العام للمصالحة الاقتصادية ومع العدالة الانتقالية ومع الهيئة الدستورية، وهي هيئة الحقيقة والكرامة إلى جانب مراعاة أولويات ومصالح البلاد فلا يمكن أن تستغرق المصالحة مدة طويلة.
واعتبر لطفي دمق، مستشار رئيس الجمهورية، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الجدل الكبير الذي أثير في تونس سببه التوظيف السياسي، والذي لعب دوراً مهماً في شيطنة المشروع، مؤكداً أن رئاسة الجمهورية فوجئت بالموجة الكبيرة التي أثيرت حول المشروع على الرغم من أنه مشروع قابل للتطوير والتنقيح.
وأكد أن تعديل مشروع المصالحة الاقتصادية يجب أن يكون تحت قبة مجلس نواب الشعب وليس في الشارع أو بالتحركات الشعبية، على أهميتها.
وقال دمق إنه يتكامل مع هيئة الحقيقة والكرامة ويحترم ما تقتضيه مهام الهيئة من عدالة انتقالية وتفعيل للدستور ومنها تطبيق الفصل 62 من الدستور الذي يعطي حق المبادرة لرئيس الجمهورية والفصل 48 من الدستور الذي ينص على أن الدولة ملزمة بتطبيق العدالة الانتقالية.
وأكد أن رئاسة الجمهورية لا ترفض التعديل والتنقيح خدمة للغاية السامية لهذا المشروع.
وأكدّ فيصل دربال، خبير اقتصادي، ألا أحد يمكنه حصر العائدات المالية لقانون المصالحة من حيث الجدوى الاقتصادية ولكن من خلال دراسة قام بها خبراء من معهد المؤسسات فإنه يمكن تحقيق 8،1 بالمائة من النتائج القومي الخام ما يعادل 5،1 مليارات دينار.
واعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العفو في جرائم الصرف هو في صالح المواطنين، داعياً إلى تطبيق الاتفاقيات التي أمضت عليها تونس، خاصة تلك التي تتعلق بإنهاء السر البنكي والتصريح بالممتلكات، مشيراً إلى أن سويسرا مثلاً ستتولى في نهاية 2016 غلق الحسابات غير المصرح بها.
اقرأ أيضاً تونس: هشاشة الائتلاف الحاكم والمعارضة تعزز دور السبسي