توتر العلاقات المصرية الروسية يعيد السيسي للفلك الأميركي

28 مايو 2016
قوبلت مطالبات السيسي لبوتين بعودة الرحلات بالتسويف(الكسندر زمليانيشنكو/فرانس برس)
+ الخط -

تُنبئ كواليس دوائر صناعة القرار في مصر ببرود أصاب العلاقات مع روسيا، وتقليص مفاجئ لمختلف أوجه التعاون، على خلفية الفشل في تحقيق أي تقدّم على صعيد التعاون الأمني والسياحي لتجاوز أزمة وقف الرحلات الروسية الجوية إلى مصر، وكذلك بسبب التباطؤ الروسي الواضح في حل النقاط العالقة في مشروع المفاعل النووي في الضبعة، بالإضافة إلى افتقار أفكار الطرفين إلى "التناغم المطلوب" في القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
وتتحدث مصادر دبلوماسية مصرية عن "تحوّل واضح لبوصلة السياسة الخارجية المصرية من التوجّه صوب روسيا، إلى العودة للفلك الأميركي والأوروبي مرة أخرى"، مشيرة إلى أن هذا التحوّل بدأ بصورة تدريجية منذ قرار موسكو وقف الرحلات الجوية الروسية إلى مصر عقب سقوط طائرة روسية فوق صحراء سيناء في 31 أكتوبر/تشرين الثاني الماضي. وزادت حدّة هذا التحوّل بسبب رفض الهيئات الأمنية والملاحية الروسية الاعتراف بالتقدّم أو التغيّر الإيجابي الذي طرأ على نظم تأمين المطارات المصرية، وفق المصادر.
وتوضح المصادر أن "الاتصالات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين، كانت جميعها تسير في اتجاه مطالبات السيسي المستمرة باستئناف رحلات الطيران، وإرسال لجان روسية جديدة إلى المطارات المصرية لاختبار التشديدات التأمينية الجديدة بها، إلا أن هذه المطالبات قوبلت بالتسويف ولم تلقَ آذاناً صاغية".
وتعيد المصادر الدبلوماسية الموقف الروسي إلى "ملاحظة اللجان الروسية والبريطانية التي جاءت لاختبار نظم تأمين المطارات المصرية نهاية العام الماضي، وجود العديد من الثغرات الأمنية التي وصفوها في بعض رسائلهم بما لا يمكن التسامح معها، وتأكيدهم أن المطارات المصرية، وخصوصاً الإقليمية، ليست مؤهلة بما يكفي لاستضافة رحلات طيران روسية أو أوروبية"، لا سيما أن الأمن المصري رفض على نحو قاطع إقامة أفراد أمن روس وبريطانيين أو مشاركتهم بصفة مؤقتة في تأمين المطارات المصرية.
وتشير المصادر إلى أن "مسألة المطارات ليست المؤثر السلبي الوحيد، بل أيضاً ما يصفه المسؤولون المصريون بالتباطؤ الروسي في حل النقاط العالقة في مشروع المفاعل النووي". وتقول المصادر إنه "تم توقيع اتفاقية القرض الروسي لمصر بقيمة 25 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك بعد مفاوضات مطوّلة بين وزارتي المالية والكهرباء في كلا البلدين، إلا أن الحكومة الروسية رفعت يديها تماماً من المشروع بعد توقيع القرض، وتركت وزارة الكهرباء المصرية تتواصل مباشرة مع إدارة شركة "روس آتوم" التي ستنشئ المفاعل، وهو ما أدى إلى تأخر الموعد المحدد لبدء الإنشاءات من مطلع العام الحالي، إلى الربع الثالث أو الرابع منه حسب الأحوال، على الرغم من أن القرض يبدأ صرفه من العام الحالي رسمياً".
وتوضح المصادر أن "تصرف الحكومة الروسية في هذا الملف، أثار غضب السيسي ووزير الكهرباء محمد شاكر المرقبي، الذي رفع تقريراً للسيسي بعد زيارته الأخيرة إلى موسكو شكا فيه عدم وفاء الحكومة الروسية بالتزاماتها الأدبية إزاء المصريين، مما قد ينتج عنه تعطيل المشروع برمته".
وتأتي هاتان العقبتان المحليتان في ظل تباعد ملحوظ بين أجندتي البلدين الإقليميتين، ما حدا بنظام السيسي بالعودة إلى فلك التحركات الأميركية، على الرغم من تحفظات إدارة واشنطن المعروفة على أداء النظام المصري وانتقاداتها المتكررة لسلوكياته وسياساته، خصوصاً في الملفين الحقوقي والأمني.


وتقول المصادر الدبلوماسية إنه في الوقت الذي أصبحت فيه ليبيا تشكّل مسألة حياة أو موت بالنسبة لمصر، ابتعدت روسيا نسبياً عن الساحة الليبية وركّزت بشكل أكبر على القضية السورية. في المقابل فإن السيسي اختار الوقوف على نقطة الحياد بين القوى الدولية والإقليمية المتنازعة حول سورية بسبب رغبته في استمرار علاقته بكل هذه القوى، إلا أنه بقي متصلاً بموسكو في موضوع سوري واحد هو محاولة عقد مؤتمرات سلام بين الفرقاء السوريين بما في ذلك النظام السوري، وهو على ما يبدو موضوع تجاوزته الأحداث، وفق المصادر.
وترى المصادر أن الاهتمام الأميركي الاستثنائي بليبيا والقضية الفلسطينية، أكثر من روسيا، أدى إلى حتمية عودة مصر إلى الفلك الأميركي، محاولةً أداء دور إقليمي "مُعتبر" على صعيد القضيتين، خصوصاً أن السيسي بات يدرك الآن أكثر من أي وقت مضى أن "معادلة (الرئيس المخلوع حسني) مبارك القائمة على أداء دور إقليمي بالوكالة، مقابل تأييد أميركي ودعم عسكري، هو الضامن الوحيد لبقاء نظامه"، على حد قولها.
ورداً على سؤال عما إذا كان الاندفاع المصري نحو روسيا منذ 2013 إلى 2015 كان مقصوداً لاستفزاز الأميركيين، أم أنه كان بحثاً عن ظهير دولي قوي؛ توضح المصادر التي تعمل في ديوان وزارة الخارجية، أن "الأمر خليط بين القصد الأول والثاني، وعلى ما يبدو فإن السيسي حقق جزءاً كبيراً مما كان يتمناه، فقد نجح في تنويع مصادر تسليح الجيش وأعاد توسيع دوائر علاقاته الدولية، لكن هذا سيرتب عليه التزامات إزاء كل من الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا، وهو حالياً يحاول أداء هذه الالتزامات".
وتُشكّل العلاقات العسكرية محوراً مهماً في العلاقات المصرية الروسية بعد صعود السيسي إلى السلطة، فبينما كانت واشنطن ممتنعة عن إرسال مساعداتها العسكرية السنوية إلى مصر بين عامي 2013 و2014، كان السيسي يزور روسيا أكثر من مرة لعقد صفقات عسكرية شملت منظومة "بريزيدنت - إس" المخصصة لحماية الطائرات والمروحيات المدنية والحربية من الصواريخ، ومدافع "أرض-جو" و"جو-جو" والصواريخ البحرية أيضاً، ومروحيات "مي - 28 " و"مي - 26" و"كا - 52" والصواريخ المضادة للطائرات "أنتي - 2500" وصواريخ "إس 300" وطائرات "ميغ 29 إم" و"ميغ 35 "، ومقاتلات "سو 30"، وزوارق صواريخ وقاذفات "آر بي جي"، ودبابات "تي 90"، وفوق كل ذلك أهدت روسيا طراداً من طراز "مولنيا" إلى مصر.
وبحسب مصدر حكومي بارز، فإن مصر أنفقت نحو 15 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على التسليح، منها نحو 60 في المائة على الأسلحة الروسية، والباقي موزع بين الأسلحة الفرنسية ومصادر أخرى. لكن جميع الأسلحة الروسية التي حصلت عليها مصر لم تكن مخفضة الثمن أو مدعومة، على عكس الأسلحة التي بدأت ترد من جديد إلى مصر من حليفتها العسكرية الأولى بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وهي الولايات المتحدة.
فقد أرسلت الولايات المتحدة أخيراً أسراباً من المدرعات المضادة للألغام، وأضافت إلى أسراب "أباتشي" الموجودة لدى سلاح الجو المصري عدداً إضافياً من القطع، كما أعلنت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية أن وزارة الخارجية أبلغت الكونغرس أيضاً بصفقة محتملة لبيع صواريخ "هاربون 2" إلى مصر، وهي صواريخ مضادة للسفن تطلق من غواصات، بالإضافة إلى معدات وتدريب، بقيمة 143 مليون دولار.
ووفقاً للمصدر الحكومي نفسه، فإن "كل صفقات الأسلحة الأميركية لمصر تكون مدعومة جزئياً من وكالة التعاون الدفاعي الأميركية، التي تساهم بنسبة في المعونة الأميركية السنوية لمصر"، مما يمثّل قيمة مضافة في هذه الصفقات بالنسبة للصفقات الروسية.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تطورات مفاجئة في العلاقات المصرية الأميركية، فوزير الخارجية الأميركي جون كيري زار مصر مرتين خلال شهر، وبعد الزيارة الأخيرة ظهر أكثر مرونة تجاه مطالبات السيسي برفع حظر توريد الأسلحة عن الجيش الليبي الذي يقوده حليف السيسي، قائد "عملية الكرامة" خليفة حفتر. فبعد رفض أميركي أوروبي طويل لفكرة رفع الحظر، تحدث كيري في وجود نظيره الإيطالي باولو جينتيلوني عن إمكانية "السماح ببعض الإعفاءات".
وترى المصادر الدبلوماسية المصرية، أن "مثل هذه التحركات الأميركية تُشعر السيسي بأهميته الإقليمية، تماماً كالترحيب الأميركي الأخير بدعوته لاستئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، وإعلانه الاستعداد لتبني مفاوضات مصالحة فلسطينية".
وعن مدى تحمّس الأميركيين لرعاية دعوة السيسي في الوقت الحالي، تقول المصادر إن "واشنطن تبدو مشغولة أكثر بليبيا وسورية، لكن الأمر قد تظهر له ظلال في الفترة المقبلة بتحركات مصرية إسرائيلية برعاية أميركية مباشرة" مشيرة إلى أن "كيري خلال زيارته الأخيرة لمصر لم يتحدث طويلاً عن دعوة السيسي غير أنه أبدى ترحيبه الأكيد بها".