ما زالت الولايات المتحدة الأميركية تواصل بذل الجهود لإقناع بريطانيا بالتراجع عن التعاقد مع عملاق الاتصالات الصينية "هواوي" لتطوير شبكات اتصالات "الجيل الخامس"، إذ يلتقي ميك مولفاني مدير مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع دومينيك كمنغز كبير مستشاري رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في دواننغ ستريت، حيث مقر الحكومة البريطانية.
وتأتي الجهود المتكررة، التي تبذلها واشنطن لإقناع حليفتها لندن بالتخلي عن خدمات "هواوي"، في إطار المخاوف الأميركية من الخروقات الأمنية التي قد يتسبب بها وصول العملاق الصيني إلى شبكة الاتصالات البريطانية.
وكان جونسون قد أقرّ التعاقد مع "هواوي" لتطوير الأجزاء غير المركزية من البنية التحتية لشبكة الاتصالات من "الجيل الخامس"، رغم اعتراضات الرئيس الأميركي المتكررة، وكتسوية بين الطرفين، يرغب البيت الأبيض في إقناع لندن بإخراج "هواوي" من السوق البريطانية في فترة أقصاها خمس سنوات.
وبينما يواصل جونسون التحجج بعدم وجود بديل للشركة الصينية التي تفوقت على منافسيها الغربيين في هذا المجال، تسعى واشنطن لإقناع لندن بالعمل سوية على تطوير حلول بديلة، تهدئ من روع الولايات المتحدة حول المخاطر التي قد تواجهها مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.
كما أنّ واشنطن قلقة من احتمال أن يفتح التعاقد البريطاني مع "هواوي" الباب أمام دول أخرى للتمرد على الخط الأميركي، وخاصة في ظل أجواء نزاع اقتصادي بينها وبين بكين.
وكان السفير الأميركي في برلين، ريتشارد غرينيل، قد نقل عن ترامب قوله "ليكون واضحاً جداً أن أي دولة تفضل التعامل مع مزود الجيل الخامس غير الموثوق (في إشارة إلى هواوي) فإنها ستضع في خطر قدرتنا على مشاركة المعلومات الاستخبارية على أعلى المستويات".
وكانت الصحف البريطانية قد تناقلت تسريبات عن مكالمة أجراها ترامب مع جونسون بعيد إقرار الأخير التعامل مع "هواوي"، انفجر فيها ترامب غضباً.
وتلت ذلك زيارة لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى لندن لمناقشة المسألة بين الطرفين، ويبدو أنّ بريطانيا نجحت في إقناع الولايات المتحدة بحاجتها للتعاقد مع "هواوي"، بينما تجد واشنطن في مغادرة الشركة الصينية للسوق البريطانية في أسرع وقت تسوية وحلاً وسطا.
زيارة مولفاني إلى بريطانيا تأتي في هذا الإطار، وستبدأ لقاءاته، غداً الأربعاء، مع نظيره البريطاني إدوارد لستر، إضافة إلى مستشار رئيس الوزراء دومينيك كمنغز، المعروف بقربه من جونسون.
كما ستشمل اللقاءات أيضاً عدداً من السياسيين البريطانيين المعارضين للتعاقد مع "هواوي"، لزيادة الضغط على جونسون.
وتوجد مجموعة من النواب المحافظين في البرلمان البريطاني من معارضي الاتفاق مع "هواوي" كلياً، ويقودهم وزير "بريكست" السابق ديفيد ديفيس. ويهدد هؤلاء بعرقلة تشريع حكومي في البرلمان يرخص للشركة الصينية العمل في بريطانيا.
وكان ديفيس قد طرح فكرة إخراج "هواوي" من السوق البريطانية، قبل أسبوعين، عندما طلب من جونسون "الالتزام بأن تقوم بريطانيا بقيادة مجموعة العيون الخمس وحلف شمال الأطلسي لخلق بديل لهواوي في السنتين القادمتين."
وبالرغم من عدم تعهد جونسون بالأمر، تسعى إدارته إلى تجنب الاختلاف مع واشنطن في وقت تحتاج فيه بريطانيا إلى إبرام اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة بعد "بريكست".
وتعتقد الاستخبارات البريطانية بقدرتها على احتواء الخطر المحتمل من "هواوي"، حيث إنها تعمل حالياً في البنية التحتية لكل من شبكات الجيل الثالث والرابع للاتصالات في بريطانيا، ولا تتجاوز حصتها في السوق البريطانية 35%.
وترغب بريطانيا في وضع سقف لحصة "هواوي" عند ذلك الحد من أسهم مشغلي الاتصالات الأربعة في بريطانيا: (فودافون، أو تو، إي إي، ثري)، بينما سيتسبب طرد "هواوي" من السوق البريطانية فوراً بخسائر بمئات الملايين من الجنيهات ويعرقل تطوير قطاع الاتصالات فيها.
ويعود القلق من "هواوي" إلى الاعتقاد الأميركي بهيمنة الحزب الشيوعي الصيني على قرارها، وهو ما دفع منتقدي القرار البريطاني بالتعامل معها إلى وصفه بأنه كالسماح للكرملين بالوصول إلى الاستخبارات البريطانية خلال الحرب الباردة.