تهويمات متشائلة برسم الزعماء العرب
بعد واقعة الانفجار في بيروت و"بشارة" تفكيك العراق، جاء "اتفاق أبراهام"، كما سمّاه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليشكل "ثالثة الأثافي" التي سيقوم عليها "القدر" الأسود الذي تطبخ فيه "صفقة القرن". عندها لا يعرف أحد كيف سينجو العرب من النهايات التي تقف لهم بالمرصاد، كما لا يتوقع أحد معجزةً يمكن أن تحدث لتعيد هذه الأمة إلى صوابها، وتكفّ عن ممارسة هوايتها الشريرة في تدمير نفسها إلى حد الفناء الكامل، ليس بفعل مليشيات وعصابات ومافيات فحسب، وإنما أيضا بفعل حكام خانعين يتنكّرون لبني جلدتهم، ويُمعنون في قمعهم وإذلالهم، ويرفعون رايات الاستسلام أمام أعدائهم، ولسوف يتحوّل ذلك كله في قابل الأيام إلى حكايات عتيقة يتندّر بها أحفادنا، ويعقدون حولها حوارات تدور على هذا النحو:
*هل تريدني أن أحكي لك قصة تفجير ميناء في إحدى الممالك التي كانوا يسمونها لبنان؟
** هيا قل لي كيف حدث ذلك.
يصمت المحاور الأول قليلا ثم يعاود السؤال: *أم تريدني أن أحكي لك قصة تفكيك بلاد ألف ليلة وليلة التي كانت زمانا تسمّى العراق، ثم نسي الناس اسمها عندما تواطأ حكامها مع الأغراب على تفكيكها.
**نعم .. قل لي كيف؟
يخسر الفلسطينيون بعض أوراقهم في كل مرة تتقدّم فيها إسرائيل خطوة ويتراجع العرب فيها خطوتين
ويصمت المحاور الأول قليلا ثم يعاود السؤال: *أم تريدني أن أروي لك حكاية "اتفاق أبراهام" الذي أجهز عاقدوه من خلاله على آخر ما كان باقيا من بلادٍ وصفها الشاعر بأنها "أم البدايات، أم النهايات، كانت تسمّى فلسطين"، لكنها ما عادت تسمى فلسطين، إذ طمسوا هويتها لتصبح دولة "إسرائيل" التي تسمعون أخبار فتوحاتها اليوم؟
**قل لي كيف حدث ذلك.
يسترسل المحاور الأول: *عندي حكايات أخرى كثيرة عن "وطن مد على الأفق جناحه" ذات تاريخ، ثم ادلهم أفقه، وانقصف جناحه، وتاه أهله عقودا، وما زالوا تائهين.
ويصمت المتحاوران معا، لينصتا لنشرة أخبار عاجلة مصدرها "القدس" عاصمة دولة إسرائيل العظمى، ثم ينصرف كل منهما إلى عمله، كأنه لم يحدث ما يثير أو يلفت!
ليس ما نرويه في معرض سخرية أو للتسلية، إنما هي نبوءة سوداء لما يمكن أن يمثُل أمامنا من وقائع وأحداث، إلا إذا حدثت معجزة تغير المتغير، ولا تسمح لدعاة الاستسلام بشراء وقت جديد. قال سفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، في معرض تبريره اتفاق إبراهام إنهم لم يكونوا في وارد الانتظار، "إننا اشترينا الوقت". قبل ذلك، كان خاطب الإسرائيليين: "إسرائيل فرصة وليست عدوا، نواجه معها أخطارا مشتركة ونرى إمكانات ضخمة لتطوير علاقات أكثر دفئا، وقرار إسرائيل بضم أراض سيكون إشارة إذا ما كان الإسرائيليون يفكرون بالطريقة التي نفكر بها".
وجاءت الصفعة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "بموجب هذه العقيدة (الصهيونية)، فإن إسرائيل لا يُطلب منها الانسحاب من أية أراض ولو مترا واحدا (..) ولا تتنازل عن بسط السيادة على أراض واسعة من يهودا والسامرة (..) ولم تضعف إسرائيل نفسها بالانسحاب من خطوط عام 1967 بفضل قوتها العسكرية والتكنولوجية وتعزيز مكانتها على الساحة الدولية (..). وبينما أصنع السلام مع الإمارات سأفرض السيادة أيضا على يهودا والسامرة بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة"!
ما الذي سيحصل عليه الفلسطينيون، وهم أصحاب القضية، من الاتفاق؟ لن يجنوا شيئا منه، وهم يخسرون بعض أوراقهم في كل مرة تتقدّم فيها إسرائيل خطوة ويتراجع العرب فيها خطوتين. يقول آفي بريمور السفير والأكاديمي الإسرائيلي "ما سيحصل عليه الفلسطينيون مثير للشفقة، إنهم لن يحصلوا على دولة، وإنما على حكم ذاتي ممزّق".
زعماء عرب اتخذوا لأنفسهم مكانا في قطار الاستسلام قبل الإمارات، وآخرون هيأوا أنفسهم للركوب في القطار فبل أن يفوت الأوان
وماذا عن الزعماء العرب الذين ظلوا يصدّعون رؤوسنا بعنترياتهم عقودا؟ بعضهم اتخذ له مكانا في قطار الاستسلام قبل الإمارات، وآخرون هيأوا أنفسهم للركوب في القطار فبل أن يفوت الأوان، وقد "اشترى الوقت"، بتعبير يوسف العتيبة، من أجل ذلك، فيما يلهث الباقون كي يصلوا إلى المحطة. هذه الحقائق أبلغنا بها نتنياهو قبل سنوات، وذكّرنا بها اليوم ليقول بثقة: "إنها لم تكن نبوءة، إنها سياسة ممنهجة (لدى الزعماء العرب) تغلغلت، وما زالت تتغلغل".
قال لي دبلوماسي خليجي عتيق: "ما فعلته الإمارات مطلوب، كي لا تقع في قبضة إيران، ولا حتى في قبضة العرب".
آخر القول ما ينصحنا به شاعرنا:
"يا قوم لا تتكلموا، إن الكلام محرّم/ ناموا ولا تستيقظوا، ما فاز إلا النوم".