كلّف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم الخميس، وزير الإسكان والمرافق العامة مصطفى مدبولي، بتشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لشريف إسماعيل، الذي شغل المنصب منذ سبتمبر/أيلول 2015، وقدم استقالة حكومته إلى السيسي أمس الأول، عقب تأدية الأخير اليمين الدستورية عن فترة ولايته الثانية أمام مجلس النواب، السبت الماضي.
ومنذ فترة ليست بقصيرة، يتردد اسم مدبولي لخلافة إسماعيل من داخل الحكومة، مدعوماً باختيار السيسي له قائماً بأعمال رئيس الحكومة خلال فترة علاج إسماعيل في الخارج من مرض السرطان، كونه بات على علاقة وطيدة بدولتي الإمارات والسعودية، الداعمتين للسيسي، بسبب إشرافه على أعمال العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تنفذه شركة مساهمة بين الهيئة الهندسية للجيش، وهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان.
وكان إسماعيل قد سافر إلى ألمانيا، في رحلة علاجية في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، وعيّن السيسي مدبولي قائماً بأعماله، إلى أن أجرى تعديلاً حكومياً محدوداً قبل أسبوع واحد من بدء إجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية المنقضية، والتي فاز فيها السيسي بأغلبية كاسحة، بعد تغييب جميع منافسيه في السجون، أو قيد الإقامة الجبرية، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش السابق، الفريق سامي عنان.
واصطحب السيسي مدبولي في فعاليات القمة العربية التي انعقدت في السعودية في أبريل/نيسان الماضي، رغم أنه لم يكن نائباً رسمياً لرئيس الوزراء، لبحث خطوات استكمال وتنفيذ العديد من المشروعات والمنتجعات المدعومة خليجياً، سواء الجاري إنشاؤها شرق العاصمة القاهرة، أو المزمع تدشينها خلال الفترة المقبلة.
سكرتير تنفيذي
وبحسب مصادر حكومية مطلعة، يتمتع مدبولي بثقة السيسي الشخصية، ودوائر صناعة القرار داخل النظام الحاكم، كونه "سكرتيراً تنفيذياً بامتياز"، ويطيع الأوامر الصادرة من قياداته، دون أن يجادل بشأن جدواها، مشيرة إلى أنه لم يكن يبد أي اعتراضات حول سيطرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة على أعمال وزارته، وتنفيذها كافة المشروعات والإنشاءات الكبرى، مع اكتفاء الوزارة في عهده بدور "المقاول".
وجاء اختيار مدبولي لرئاسة الحكومة، برغم مسؤوليته الرئيسية، سواء بصفته وزيراً للإسكان، أو رئيساً سابقاً لهيئة المجتمعات العمرانية، عن غرق ضاحية "التجمع الخامس" شرق القاهرة، تحت وطأة الأمطار الكثيفة التي ضربت العاصمة المصرية نهاية أبريل/نيسان الماضي، إذ خرج السيسي بعدها في "مؤتمر الشباب" الذي عقد الشهر التالي بفندق "الماسة" التابع للجيش، رافضاً توجيه الاتهام له بذلك، بالقول "لا يجب أن نأكل رجالنا".
بيزنس الإسكان
ويوجه العديد من المختصين بالشأن العقاري المصري إلى مدبولي الاتهامات حول مسؤوليته بشأن "تحويل الدولة لتاجر شققٍ وأراضٍ"، على خلفية استغلال الوزارة في عهده لأراضي الدولة، وبيعها للمستثمرين بأسعار باهظة، لتوظيف ذلك في مشروعات لا تتفق مع الأولويات الاقتصادية للدولة، بما يحمل الموازنة العامة أعباء إضافية، بشكل دفع الحكومة للجوء إلى تخفيض أوجه الدعم الموجهة للفقراء، وإعداد خطة للتحلل منه نهائياً بحلول العام 2022.
ونتيجة سياسات سلطة الانقلاب العسكري، الحاكمة في البلاد منذ يوليو/تموز 2013، ارتفعت أسعار وحدات الإسكان الاجتماعي، التي تشرف عليها وزارة الإسكان لصالح توجيهها لمحدودي الدخل، بشكل جنوني، ما دفع سعر المتر المربع في مشروع "سكن مصر" إلى ما يزيد عن خمسة آلاف جنيه، في حين دخلت الدولة كمنافس للمطورين العقاريين بما تملكه من مواقع مميزة، عبر مشروع "دار مصر"، الذي تجاوز المتر المربع في وحداته السكنية حاجز الثمانية آلاف جنيه.
وفي العام 2015، ساهم المؤتمر الاقتصادي، الذي دعا له السيسي بمدينة شرم الشيخ، إلى لفت الأنظار لمدبولي، بعد توقيع وزارته عقود خمسة مشروعات في مدينتي 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة، مع تحالف شركتي "ماونتن فيو" المصرية، و"سيسبان" السعودية القابضة، بقيمة إجمالية تقدر بـ61 مليار جنيه، إلى جانب مشروع مدينة فندقية سياحية في 6 أكتوبر، ينفذه اتحاد شركات عربية للتنمية والتطوير العقاري، وشركة CBRE الإنكليزية، باستثمارات أربعة مليارات دولار.
مخالفة الدستور
وفي سبتمبر/أيلول 2017، قرر رئيس مجلس إدارة مصرف التعمير والإسكان، فتحي السباعي، اختيار مدبولي عضواً في مجلس إدارة المصرف عن ذوي الخبرة، في مخالفة صريحة للمادة 166 من الدستور المصري، وذلك بحجة التنسيق في المشروعات الموكل للبنك تنفيذ خطتها، نيابة عن هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، علماً بأن مجلس إدارة المصرف يضم أربعة ممثلين عن هيئة المجتمعات العمرانية.
وتعد عضوية مجلس إدارة مصرف "التعمير والإسكان" الحكومي باباً خلفياً للمجاملات، خاصة مع تجاوز بند "بدلات الانتقال" وحده حدود الحدّ الأقصى للأجور (42 ألف جنيه شهرياً)، إذ يتقاضى ممثلو هيئة المجتمعات العمرانية، ومعهم مدبولي، بدلات انتقال عن حضور الجلسة الواحدة بواقع عشرة آلاف جنيه، خلاف "بدل حضور" بقيمة ألفين أخرى، في غياب تام لدور الأجهزة الرقابية.
منظومة الفساد
وعقب عام من توليه منصبه، تورط مدبولي، مع "شركة صبحي حسين للمقاولات"، المسؤولة عن تنفيذ 2088 بناية في مشروع الإسكان الاجتماعي بمدينة السادات، في تهديد حياة عشرات الآلاف من البسطاء، بعد تورط الشركة في حشو رقاب الأعمدة الخرسانية والكمرات بقوالب من الطوب، بدلاً من الحقن بالخرسانة، وعدم انتظام رأسية الأعمدة بنواصي العمارات، وترحيل أعمدة الأدوار في مناور العمارات، بما يؤثر على نقل الأحمال لأساسات العمارة، ويُهدد بانهيارها.
وأفاد موقع "إسكان مصر" المتخصص بشؤون الإسكان في مصر، بأن قيادات الجهاز المركزي للتعمير التابع لوزارة الإسكان، وعلى رأسهم رئيس الجهاز، اللواء محمد ناصر، متهمون بالتستر على تلك الجريمة، بدلاً من إحالة مرتكبيها للنيابة، خاصة مع تكرار كوارث المقاول المسؤول عن التنفيذ، والذي صنفته الوزارة فيما بعد ضمن "القائمة السوداء".
وفي يونيو/حزيران 2015، كشفت صحيفة "التحرير" الخاصة، النقاب، عن مستندات وصفتها بـ"الخطيرة"، تكشف استيلاء مدبولي، وقيادات في الهيئة العامة للتخطيط العمراني التابعة لوزارته، وفي وزارة المالية، على ملايين الجنيهات، تحت مسميات مختلفة، وهو ما يضع وزير الإسكان آنذاك تحت طائلة القانون، بتهم الاختلاس والإضرار بالمال العام، بحسب المواد (112 و113 و115 و116) من قانون العقوبات.
وكانت العشرات من الأسر المصرية البسيطة، قد تقدمت ببلاغ جماعي إلى النائب العام، نبيل صادق، تحت رقم 5630 عرائض النائب العام، في 13 مايو/أيار الماضي، ضد مدبولي، والرئيس التنفيذي لمشروعات الإسكان الاجتماعي، ورئيس صندوق التمويل العقاري، ورئيس جهاز مدينة السادس من أكتوبر، بصفتهم، لمخالفتهم قرارات التخصيص، والمواصفات، المعلن عنها في مشروع "ابني بيتك".
وأفاد الشاكون بأنهم تقدموا بأوراقهم للمشروع في شهري يوليو/تموز، وأغسطس/آب 2015، وتم التخصيص لهم بمنطقة "ابني بيتك 6"، وهي عبارة عن وحدات سكنية في أماكن متفرقة حول بيوت "ابني بيتك" القديمة، التي تعاني في الأصل من الإهمال، وعدم توفر الخدمات الأساسية، وانهيار البنية التحتية، منذ عشر سنوات في غياب تام من المسؤولين.
وأضاف الشاكون، في بلاغهم، أن مسؤولي وزارة الإسكان هدفوا من وراء إنشاء تلك الوحدات إخفاء المظهر الخارجي لمنطقة "ابني بيتك" القديمة، خاصة وأنها في الطريق المؤدي لمنطقة "دجلة بالمز" و"سكن مصر"، وغيرها من المناطق الاستثمارية التي تلقى اهتماماً خاصاً من الدولة، من دون النظر لحجم المعاناة التي سيواجهها هؤلاء، من جراء التخصيص لهم بمنطقة تواجه نقصاً في الخدمات، وبنية تحتية غير صالحة للمعيشة الآدمية.
كما تقدم هاني محمد خاطر، وسماح سيد متولي، في 10 مايو/أيار 2015، ببلاغين إلى النائب العام الراحل، هشام بركات، حملا رقمي 9188 و9187 عرائض النائب العام، ضد مدبولي، بصفته وشخصه، ورئيس هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة السابق، نبيل عباس، بصفته وشخصه، لاتهامهما باستغلال نفوذهما الوظيفي.
وذكر مقدما البلاغ أن وزارة الإسكان، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، قد أعلنتا في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عن تخصيص وحدات مشروع "دار مصر" للإسكان المتوسط بنظام القرعة العلنية، تحقيقاً للشفافية والمساواة، غير أن العمارتين 454 و455 بمنطقة "القرنفل" بضاحية القاهرة الجديدة جرى تخصيص وحداتهما السكنية بالأمر المباشر، من دون إجراء قرعة علنية، واللتان تقعان على ناصية ذات مساحات خضراء شاسعة.
استغلال النفوذ
وأظهرت المستندات تعرض الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وقت أن كان يشغل رئاستها مدبولي، لعمليات واسعة من تبديد أموال الدولة، من جراء استغلال النفوذ، وهي المخالفات التي فتحت بشأنها النيابة الإدارية تحقيقات موسعة، وأرسلت عنها ملفاً كاملاً إلى مكتب رئيس الوزراء السابق، إبراهيم محلب، والذي غض الطرف عنها، كونه كان وزيراً للإسكان وقت شغل مدبولي لمنصبه.
وكشفت المستندات صرف سبعة من مسؤولي وزارة المالية 27 مليون جنيه "مكافآت وبدلات" نظير انعقاد لجان "وهمية" للعاملين بالهيئة، من بينها مليون و400 ألف جنيه صرفها مدبولي مكافآت لنفسه، بعدما أساء استخدام السلطة، وكون 26 لجنة، إلى جانب 20 لجنة مشكلة بقرارات وزارية، بمجموع 46 لجنة، لتوسيع قاعدة المستفيدين من تلك البدلات، من المقربين إليه، حسب تحقيقات النيابة الإدارية.
وعُين مدبولي رئيساً لمجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، خلال حقبة وزير الإسكان السابق، أحمد المغربي، الذي واجه اتهامات بالفساد والتربح غير المشروع، وبيع أراضي الدولة في مدينة الغردقة السياحية بسعر دولار واحد للمتر المربع، قبل أن تقضي محكمة جنايات الجيزة المصرية ببراءته في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
كذلك، نشر موقع "إسكان نيوز" الإخباري حلقات عدة في وقت سابق، عن ملف فساد الشركات التابعة لوزارة الإسكان، والتي يستحوذ على مجلس إدارتها مجموعة من المقربين لمدبولي، وعلى رأسهم راندة المنشاوي، وخالد عباس، وعلي فياض، ومحمد الألفي، ويحصلون فيها على بدلات ومكافآت تعادل رواتب العشرات من قيادات الوزارة.
سيرة ذاتية
وكلف مدبولي بحقيبة الإسكان والمرافق في فبراير/شباط 2014، في الحكومة التي ترأسها إبراهيم محلب، واستمر في منصبه خلال فترة تولي شريف إسماعيل لرئاسة الحكومة. ويبلغ من العمر 52 عاماً، وشغل منصب المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، في الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2012 إلى فبراير/شباط 2014، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، في الفترة من سبتمبر/أيلول 2009 حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
كما انتدب لمنصب رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني بوزارة الإسكان، خلال الفترة من أبريل/نيسان 2008 إلى سبتمبر/أيلول 2009، ونائباً لرئيس مجلس إدارة الهيئة، في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2007 إلى أبريل/نيسان 2008، فضلاً عن شغله منصب المدير التنفيذي لمعهد التدريب والدراسات الحضرية بالوزارة، في الفترة من يناير/كانون الثاني 2000 إلى يونيو/حزيران 2004.
وحصل مدبولي على درجة الدكتوراه في الهندسة المعمارية (تخصص تخطيط مدن) من كلية الهندسة -جامعة القاهرة في العام 1997، ودبلوم الدراسات المتقدمة في مجال التخطيط العمراني وإدارة العمران من معهد دراسات الإسكان والتنمية الحضرية (روتردام – هولندا) في العام 1993، وعمل كاستشاري للعديد من المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي، ومنظمة العمل الدولية، وهيئة التعاون الفني الكورية لوضع سياسات الإسكان والتخطيط.
ويعرف عن مدبولي العزوف عن الإعلام، والتبعية المطلقة لتعليمات السيسي، ويتفق في هذا مع شريف إسماعيل، الذي كان يزامله في الحكومة وزيراً للبترول قبل اختياره رئيساً للوزراء.
وسبق أن ذكرت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد" أن إسماعيل أعرب للسيسي عن رغبته في ترك منصبه، لضرورة سفره إلى ألمانيا والولايات المتحدة لإجراء فحوصات وعمليات جراحية للحدّ من انتشار مرض السرطان، بعد تراجع حالته الصحية بشكل واضح.