تهريب الوقود من إيران... تجارة مزدهرة ضاعفت العقوبات ربحيتها

26 يناير 2020
تهريب الوقود يكلف إيران 12.5 مليار دولار سنوياً (Getty)
+ الخط -

أعادت الاحتجاجات التي شهدتها إيران، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد رفع سعر لتر البنزين العادي إلى 15 ألف ريال (12.7 سنتاً أميركياً) بعدما كان في حدود عشرة آلاف ريال، إلى الواجهة مرة أخرى، مشكلة عويصة، يعاني منها الاقتصاد الإيراني منذ عقود، إذ عزت الحكومة الإيرانية أحد أهم أسباب زيادة سعر البنزين إلى سعيها للحد من تهريب الوقود إلى الخارج، وفق ما قاله المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، للتلفزيون الإيراني يوم ذروة الاحتجاجات، في السادس عشر من نوفمبر.

ويشمل الوقود الإيراني المهرب إلى الخارج، أربعة أنواع، هي: الكيروسين (النفط الأبيض) والمازوت والبنزين والديزل. ويحتل الديزل الصدارة بنسبة 85 في المائة من حجم التهريب، وفقا لما يؤكده المتحدث باسم لجنة مكافحة تهريب السلع والعملات، حميد رضا دهقاني نيا في تصريحات صحافية. ويعود تفضيل المهربين للديزل على بقية الأنواع لكون مخاطر نقل هذه المادة أقل من بقية المحروقات، نظرا لأنها ليست سريعة الاشتعال مقارنة بالبقية وخاصة البنزين، ولأن تهريبه يجلب أرباحا مماثلة لتهريب البنزين وأكبر من عائد تهريب الكيروسين والمازوت، وفقا لمصادر التحقيق.



أرقام متضاربة

رصد معدّ التحقيق تضاربا كبيرا حول تقديرات حجم المحروقات الإيرانية المهربة إلى الخارج، إذ إن آخر إحصائية صادرة عن اللجنة المركزية لمكافحة تهريب السلع والعملات، أفادت في يوليو/تموز الماضي، بأن معدل تهريب الوقود خلال عام 2018، بلغ أكثر من 11 مليون لتر يوميا، بينما سبق وأعلن رئيس اللجنة ذاتها العميد علي مؤيدي خرم آبادي، خلال العام نفسه أن الرقم يتراوح بين 10 ملايين لتر وصولا إلى 15 مليون لتر يوميا. إلا أن الموقع الإعلامي التابع للحكومة الإيرانية، نشر في أكتوبر/تشرين الأول 2018، مقطع فيديو عن تهريب الوقود، مشيرا إلى أن الرقم يتراوح بين 20 مليون لتر و40 مليون لتر يوميا، ما زاد التضارب في حجم التهريب. وفي الشهر نفسه، قال المدير التنفيذي لشركة ترشيد استهلاك الوقود الحكومية محسن دلاويز إن حجم تهريب الوقود يتراوح بين 10 ملايين لتر ويصل إلى 35 مليون لتر بنزين فقط يوميا، لكن وزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنغنه، نفى تلك الأرقام كلها، مؤكدا أن حجم تهريب الوقود يتراوح بين 4 ملايين لتر، و5 ملايين لتر يوميا، رافضا في مقابلة مع القناة الثانية الإيرانية، جرت في أكتوبر الماضي ما يقال عن تهريب 40 مليون لتر يوميا، "لأن الأمر يستدعي تحريك ألف وأربعمائة شاحنة لنقلها وهو ما يخالف المنطق".


تجارة نشطة على الحدود

يتم تهريب الوقود على طول الحدود الإيرانية، أي في 16 محافظة حدودية، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، بحسب ما يؤكده وزير النفط الإيراني، بيجن نامدار زنغنه، لكن معظم عمليات التهريب تحدث في المحافظات الجنوبية، وتحديدا محافظتي سيستان وبلوشستان الواقعة جنوب غربي البلاد، عبر الحدود البرية، وهرمزجان في الجنوب من خلال الحدود المائية. وبالإضافة إلى هذه المحافظات، فإن التقارير الرسمية حول اكتشاف الوقود المهرب، تكشف أن محافظات غير حدودية أخرى، وخاصة تلك التي تجاور المحافظات الحدودية أيضا، تلعب دورا في تجارة الوقود المهرب، إذ يقوم مهربون بنقل الوقود منها إلى المحافظات الحدودية، تمهيدا لتهريبه إلى الخارج، سواء عبر المنافذ غير الجمركية أو المنافذ الجمركية تحت غطاء تصدير منتجات نفطية، وهذا ما أظهره إعلان إدارة الجمارك بمحافظة أصفهان وسط إيران، أواخر نوفمبر الماضي، عن ضبط شبكة مافيا كبيرة، كانت تقوم بتهريب الوقود من البنزين والديزل والنفط الأبيض.


أسباب التهريب

يقف عاملان أساسيان خلف تهريب الوقود الإيراني إلى الخارج: الأول هو تدني أسعار المحروقات الإيرانية بنسبة كبيرة، بالمقارنة بنظيراتها في الدول المجاورة، والثاني هو البطالة والوضع المعيشي الصعب لسكان المحافظات الحدودية الإيرانية، لكن الظاهرة تصاعدت مع مطلع الألفية الثالثة على خلفية العقوبات على طهران بسبب الخلافات بشأن ملفها النووي، الأمر الذي أدخل الريال الإيراني في مسار تراجعي مستمر مقابل العملات الأجنبية، وهو ما ترتبت عليه زيادة الفارق بين أسعار المحروقات في إيران ومحيطها الخارجي، ما جعل تهريب الوقود تجارة مغرية، وفتح شهية المهربين الكبار من شركات وسماسرة التهريب للانخراط في هذا النوع من التجارة غير القانونية، إلى جانب مهربين صغار على الحدود، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر التقارير الرسمية عن ضبط شحنات الوقود المهرب، وخاصة في مياه الخليج، منها إعلان بحرية الحرس الثوري تفكيك أكبر شبكة منظمة لتهريب الوقود في مضيق هرمز في إبريل/نيسان 2019 كانت تحمل مليوناً و500 ألف لتر من الوقود المهرب، مع الكشف عن اعتقال 21 شخصا من جنسيات مختلفة كانوا على متن السفينة، وفق موقع "سباه نيوز" التابع للحرس.

وضاعف من عمليات التهريب اتساع رقعة الفقر والمشاكل المعيشية للإيرانيين، وخصوصا سكان المناطق الحدودية، إذ ساهم العاملان في ارتفاع حالات تهريب الوقود بشكل مطرد على مدى السنوات الماضية، وخاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، في الثامن من مايو/أيار 2018، وما تبعه من عقوبات شاملة وقاسية، أفقدت الريال 150 في المائة من قيمتها.

وبين العاملين المذكورين، يلعب الفارق الكبير في أسعار المحروقات الدور الأبرز، إذ تتضاعف الأسعار في الدول المجاورة لإيران ما جعل سعر البنزين الإيراني الأرخص عالميا في عام 2018 وفق ما يؤكده تقرير الوكالة الدولية للطاقة حول أسعار البنزين في العالم لعام 2018 والذي صدر في يونيو/حزيران الماضي.

أرباح هائلة

قبل تطبيق خطة ترشيد استهلاك البنزين، بلغت نسبة أرباح تهريب لتر البنزين إلى تركيا 1561% وتركمنستان 481% وأذربيجان 535% وباكستان 845% والعراق 751% وأفغانستان 913% وأرمينيا 1493%، كما أن نسبة أرباح تهريب لتر الديزل إلى تلك الدول على الترتيب هي كالتالي: 2924%، و953%، و845%، و2060%، 1790%، و1817%، 2843% بحسب بيانات نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة الإيرانية، خلال شهر نوفمبر الماضي. وتكلف الأرباح التي يجنيها المهربون، الاقتصاد الإيراني 12.5 مليار دولار سنويا، بحسب إفادة رئيس لجنة مكافحة تهريب السلع والعملات، علي مؤيدي خرم آبادي.

وسائل التهريب

يلجأ مهربو الوقود إلى ثلاث طرق: الأولى عبر الدراجات النارية والمركبات الثقيلة والخفيفة، وهذه الطريقة هي الأكثر شيوعا في محافظة سيستان وبلوشستان، وكذلك عبر الحيوانات مثل الحصان والبغل والحمير، خاصة في المناطق الجغرافية الوعرة، مثل غرب إيران، وأخيرا عبر البحر من خلال الزوارق واللنشات (قارب متوسط الحجم) والسفن للكميات الكبيرة.

ويستخدم المهربون أساليب متنوعة لنقل الوقود إلى الضفة الثانية من الحدود الإيرانية، تبدأ من القناني الزجاجية والبلاستيكية والدلاء والغالونات، يحمل كل واحد منها بين 10 لترات ويصل حتى 100 لتر أو تعبئة مخازن إضافية داخل الشاحنات التي تنقل السلع خارج الحدود أو مد أنابيب تمتد من أمتار إلى عدة كيلومترات من المناطق المأهولة على سواحل الخليج إلى داخل المياه. وتختلف أساليب التهريب من حيث البساطة والتعقيد، بحسب نوع المهربين سواء أكانوا صغارا يقصدون الحصول على أرزاق يومية لإعالة أسرهم أم مهربين كباراً وشبكات مافيا منظمة، يقوم أعضاؤها بمد أنابيب من قرى ساحلية في محافظة هرمزجان إلى داخل مياه الخليج لعدة كيلومترات، حيث تنتظر قوارب وسفن لشحن الوقود المهرب، وفي كل ليلة يقوم 50 "لنشاً"، كل منها يحمل بين 20 ألف لتر حتى 50 ألف لتر، بتهريب الديزل، وفق ما جاء في تقرير مصور نشرته وكالة "المراسلين الشباب" التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية في نوفمبر 2019.

وتقوم "اللنشات" بدورها بنقل الوقود المهرب إلى سفن وناقلات عملاقة في مسافات أبعد داخل مياه الخليج بعيدا عن أعين خفر السواحل الإيراني، وفق ما وثقه معد التحقيق عبر التقارير الرسمية، ومنها إعلان قوات بحرية الحرس الثوري في مارس/آذار الماضي، عن توقيف سفينة أجنبية كانت تشحن وقوداً مهرباً من خمسة زوارق على بعد 18 ميلاً من مدينة بوشهر في محافظة هرمزجان جنوبي إيران.



حلول فاشلة

تنص المادة 18 من قانون مكافحة تهريب السلع والعملات في إيران، (بنسخته المعدلة لعام 2015) على "ضبط شحنات الوقود وفرض غرامة تتراوح بين ضعفي قيمة الشحنات وأربعة أضعافها". وإذا كان التهريب بشكل منظم، يتم إعمال المادة السابقة والحكم على المهرب بالحبس 91 يوما وحتى 5 سنوات، وفق المادة 29 للقانون، المنشور على موقع لجنة مكافحة تهريب السلع والعملات. وبموجب المادة 31، إذا كان القصد من التهريب هو تمويل الإرهاب والإضرار بالأمن القومي وتقوية مجموعات معارضة، فيتم تطبيق عقوبة الإفساد في الأرض بحق المهرب أو المهربين، والتي قد تصل إلى حد الإعدام، لكن نسبة الفقر المرتفعة في إيران والتي تتراوح ما بين 23 و40%، من إجمالي عدد المواطنين البالغ عددهم 83 مليون نسمة، وفق ما جاء في تقرير أصدره في مايو/أيار الماضي مركز الدراسات والبحوث التابع للبرلمان الإيراني، تمنع تحرير أسعار الوقود لتقترب من نظيراتها في الدول المجاورة، الأمر الذي يقلل من فاعلية العقوبات القانونية ومحاولات تكثيف الرقابة على الحدود.