وضع النظام السوري وحليفته روسيا يدهما كلّياً على مدينة حمص، بوسط البلاد وثالث أكبر المدن السورية، إثر توقيع اتفاق مع "لجنة حي الوعر" الذي هو آخر الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية، في حلقة جديدة من استراتيجية "الموت أو الرحيل" التي يعتمدها النظام وحلفاؤه إزاء المناطق الخارجة عن سيطرته. وتوصلت اللجنة المكلفة بالتفاوض عن الحي إلى اتفاق مع النظام تحت رعاية روسية مباشرة، بعد تهديدات بإبادة الحي في حال رفض مقاتلو المعارضة مغادرته.
وينص الاتفاق على خروج من يرغب من الحي على دفعاتٍ، إذ تخرج كل سبعة أيام مجموعة تضم ما يصل إلى 1500 شخص إلى أن ينتهي عدد الخارجين إلى جهات ثلاث هي ريف حمص الشمالي، وإدلب، وجرابلس على الحدود السورية التركية شمال شرقي حلب. وينص الاتفاق على تسوية أوضاع المقاتلين والمطلوبين للأجهزة الأمنية التابعة للنظام وغير الراغبين بمغادرة حيهم، مع تسليمهم للأسلحة، إضافة إلى تسوية أوضاع الطلاب والموظفين من الجهات المختصة بشؤونهم، شأنهم شأن المنشقين عن جيش النظام والمتخلفين عن الخدمة فيه.
وفي بند يتعلق بالشق الأمني، ينص الاتفاق على نشر كتيبة عسكرية روسية من 60 إلى 100 عنصر، بينهم ضباط روس، في حي الوعر بعد استكمال خروج المقاتلين، مع حصر مهامها بـ"مراقبة تنفيذ مراحل الاتفاق بدقة، وضمان التزام الأطراف بها، ومعالجة الخروقات، والإشراف على عودة الأهالي والمهجرين إلى حي الوعر، وكذلك عودة المهجرين الموجودين حالياً في الحي إلى منازلهم في أحياء حمص الأخرى". وتتولى الكتيبة الروسية مسؤولية "حفظ الأمن واحترام القانون داخل الحي"، و"حماية الأهالي والممتلكات العامة والخاصة، وتأمين المنشآت العامة، والإشراف على سير عمليات التسوية والاشتراك باللجنة المُشكلة (لهذه الغاية) مع قوات النظام، ومراقبتها، ومنع اعتقال أهالي الحي، ومراقبة معابر الحي وتأمينها، والتأكد من خلو الحي من الأسلحة والمقاتلين بنهاية الاتفاق، ومنع عناصر مليشيات (الدفاع الوطني) والمليشيات الطائفية وغيرها من الدخول إلى الحي".
وكانت قوات النظام بدأت بحصار حي الوعر "بشكل جزئي" أواخر عام 2013، بعدما أصبح قبلة للنازحين من أحياء حمص الأخرى التي تعرضت لحملات عسكرية متلاحقة أدت إلى تدمير عدد من أحياء المدينة القديمة، والسيطرة على مجملها – باستثناء الوعر – في مايو/أيار 2014، إثر انسحاب مقاتلي المعارضة بموجب تسوية أنهت عامين من الحصار المطبق. وتعرض الحي طيلة أكثر من عامين إلى حصار تسبب بكوارث إنسانية عانى منها الأطفال والنساء والمرضى بشكل خاص. ولم تدفع النداءات المتكررة من قبل أهالي الحي للتحرك الجدي لوضع حد للمجازر التي ارتكبها النظام بحق أكثر من 70 ألف مدني يقطنون الحي. وكان وجود المعارضة السورية المسلحة في الوعر عائقاً أمام خطط النظام لفرض هيمنة مطلقة على حمص التي تعد صلة الوصل بين المحافظات السورية بسبب توسطها البلاد. وظلت المدينة طيلة عامي 2011 و2012، عاصمة الثورة السورية وقلبها النابض، على الرغم من أن حملات ممنهجة لتدمير هذه المدينة العريقة بدأت مطلع عام 2012، بتدمير حي باب عمرو وتهجير أهله بالكامل.
إجهاض الحل السياسي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، ميسرة بكور، وهو من أبناء حمص، أن توقيع اتفاق تهجير أهالي حي الوعر بالتزامن مع ذكرى انطلاق الثورة السورية له العديد من الدلالات والرسائل للسوريين، لا سيما أن حمص تعد عاصمة الثورة لديهم، وفق تعبيره. ويضيف أن روسيا ماضية في استراتيجيتها الرامية لإنهاء ودفن الثورة السورية. ويقول في حديث مع "العربي الجديد" إن حي الوعر "بات رسمياً تحت الاحتلال الروسي المباشر، للقضاء على آخر جيوب المقاومة للنظام في حمص". ويشير إلى أن الاتفاق يؤكد تملص موسكو من مسؤوليتها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، وكونها شريكة للنظام وإيران في تهجير السوريين، وإجهاض المساعي الدولية الرامية إلى تحقيق حل سياسي مستدام في سورية. ويعرب عن اعتقاده بأن الوجهة المقبلة لقطار التهجير هي ريف حمص الشمالي الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة ويضم مدناً كبيرة، منها الرستن وتلبيسة، وفق قوله.