تهاوش في البرلمان المغربي

12 أكتوبر 2014

اشتباك بالأيدي في البرلمان المغربي بين نائبين زميلين (إنترنت)

+ الخط -

عاد النواب والمستشارون المغاربة إلى قبة البرلمان، بعد عطلة طويلة، وكان الأمل أن يدشن الموسم السياسي بغير قليل من الجدية، ومن الندية غايتها "تخليق" العمل السياسي، وتحسين الأداء. لكن، ما حدث كان عكس ذلك، فقبل أن يجف مداد الخطاب الذي ألقاه الملك، محمد السادس، في افتتاح السنة التشريعية الجديدة في البلاد، ودعا فيه، مجدداً، الطبقة السياسة، إلى الارتقاء بالفعل السياسي، شكلاً ومضموناً، وقع ما يندى له الجبين. ذلك أن مشاحنة بين أمين عام حزب الاستقلال وأحد نواب حزب الأصالة والمعاصرة، وهما معاً في المعارضة البرلمانية، انتقلت من الفعل اللفظي العنيف، لتتحول إلى تعاط بالأيدي، ربما حد من خسائرها تدخل زملاء، بجلابيبهم البيض وطرابيشهم الحمر، كما يقتضي بروتوكول المناسبة الرسمية في القبة.
انتهى مشهد الافتتاح على مسخ التلاسن، وبدأت السنة السياسية في المغرب، على مقدمات تؤشر إلى أن ما سيأتي في سنة مقبلة، هي عام انتخابات بلدية وجهوية، سيكون قمة في التهاوش ورمي المحصنات.
والخاسر الأوحد في هذا كله مصداقية العمل السياسي، بتنفير الجمهور الواسع الذي ظهر في أكثر مناسبة انتخابية في نسب المشاركة المتدنية.
ووجه التناقض هنا، أن الدولة، التي كانت، في أوقاتٍ سابقةٍ، ترمى بأنها المسؤولة عن تفتيت الخريطة الحزبية في البلاد، تحولت، اليوم، إلى داعية إلى تماسك الطبقة السياسية، وتنقية المشهد الحزبي وتخليقه والارتباط بتطلعات المغاربة، أو ما أطلقت عليه، هي نفسها، في حملات سابقة نهج "سياسة القرب".
ولكن، وكما يقول المثل المغربي "كلما قاقت الدجاجة، زاد بيضها"، كناية على أن تحلل المشهد السياسي المغربي بلغ درجة من التعفن، لم يعد ينفع معه توالد كيانات حزبية جديدة، ولا لملمة الخرائط في أقطاب كبرى، كرهان جرى العمل عليه، منذ زمن الكتلة الديمقراطية التي هيأت للانتقال الديمقراطي مع القصر في البلاد، وفتحت ملفات المصالحة مع ماضي "سنوات الرصاص"، إلى المحاولات الجهيدة التي جرت في فترة الملك، محمد السادس، والمستمرة، حيث عبر المغرب ربيعه، وأدخل جزء من الإسلاميين إلى تدبير الشأن العام، في ضربةٍ موفقةٍ، لم تنجح في جغرافيات أخرى.

وإذا كان من حسنة لإدخال الإسلاميين إلى تجربة الحكم، فذلك لم يكن في مصلحة كرسي المعارضة الذي أصبح، الآن، شاغراً، فالأحزاب الحكومية السابقة لم تستطع التأسيس لمعارضة حقيقية، لها القدرة على خلق تهديد عملي وواقعي لعمل الحكومة. فقد سقطت أنيابها في دفة التسيير التي استمرت أكثر من 13 عاماً، تصدّع في أثنائها حزب كبير، مثل الاتحاد الاشتراكي، وعاش فيها حزب الاستقلال عواصف كبيرة، ونأى اليسار الراديكالي بنفسه بعيداً عن كل مشاركة سياسية، وجاء إلى الخريطة السياسية حزب جديد، اسمه "الأصالة والمعاصرة"، حاملاً مشروعاً أثير حوله لغط كثير، ثم بصم الإسلاميون، في شخص "العدالة والتنمية" بقوة، ودخلوا إلى التجربة الحكومية من أبواب صناديق الاقتراع الزجاجية.
وفي سنة الانتخابات المقبلة، التي ستشكل تيرموميتراً للدولة ولشعبية "العدالة والتنمية"، لن يكون من السهل، ولا من اليسير، إزاحة الحزب الإسلامي عن صدارة المشهد السياسي، بل تفيد مؤشرات كثيرة بأن رئيس الحكومة، عبد الإله بن كيران، وإخوانه، ماضون إلى هيمنة مطلقة على صناديق الاقتراع، وسيحظون بثقة إضافية من الناخبين، ربما تؤهلهم إلى الخروج من الوضع المحتشم الذي هم عليه، الآن، في تسيير الشأن العام، والتقدم بجرأة إلى تطبيق برنامجهم الحزبي، مستغلين تحلل الطبقة السياسية الحالية التي سقطت إلى الحضيض.
و"العدالة والتنمية" لن تخيفه معارضة تتشاجر وتتعارك في بهو البرلمان، واليقين أنه مصمم على البقاء في الحكومة، مهما تلونت التحالفات، وقد أدرك أن مصيره قد قرر إلى غير رجعة، ولن يقبل بالعودة إلى كرسي الاحتياط، مهما كلفه ذلك من ثمن.

 

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..