12 نوفمبر 2024
تهافت التهافت في لبنان
في خضم أخطر أزمة مالية ونقدية واقتصادية يعيشها لبنان، زادتها تفاقماً أزمة وباء كورونا، تشهد الحياة السياسية اللبنانية أكبر عملية تهافت وسقوط مدوٍّ للزعامات اللبنانية، يكاد يصيب المواطن بالدوار. بدلا من أن يستمع هؤلاء الزعماء السياسيون إلى حاجات الشعب وصراخ معاناته من البطالة والغلاء المرعب للأسعار والهبوط المستمر في قيمة العملة المحلية، تراهم يخوضون معارك دونكيشوتية ضد بعضهم بعضا دفاعاً عن مصالح شخصية ضيقة، أو عن مصالح طائفية معينة، بالإضافة إلى صراع إخوة - أعداء على مكانة سياسية آفلة ومجد ضائع.
ثلاث حالات برزت، في الأيام القليلة الماضية، تفيد بأننا في لبنان وصلنا إلى مرحلة "تهافت التهافت"، بينما كل شيء ينهار من حولنا، وفي ظل وضع من عدم اليقين الكامل، يشهد اللبنانيون أعنف اشتباك سياسي بين زعماء الطوائف اللبنانية، فقد شنّ سليمان فرنجية، وهو من أقوى الأسماء المطروحة لتولي رئاسة الجمهورية والحليف الوفي لعائلة الأسد الابن بعد الأب، والصديق الدائم لحزب الله، هجوماً غير مسبوق على جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر (العوني) وصهر رئيس الجمهورية ميشال عون، وأهم المرشحين لتولي المنصب بعد أقل من ثلاث سنوات. والسبب هو التحقيق مع مدير عام في إحدى مؤسسات الدولة، متهم بالفساد ومن المحسوبين على فرنجية الذي اعتبر استدعاء الموظف المذكور عملية تمسّه شخصياً، وبمثابة تعدّ عليه ونوع من "الكباش" بينه وبين خصمه باسيل. وبغض النظر عن صحة الاتهامات التي وجهها فرنجية إلى "العهد"، وإلى استخدام الأخير الجهاز القضائي لتصفية حسابات مع خصومه، فهذا لا يحجب فداحة قيام زعيم سياسي يطمح إلى أن يكون رئيساً للجمهورية بحماية موظف يُشكّ في تورّطه بقضية فساد.
الحالة الثانية، تحرّك نواب ووزراء، ينتمون إلى طائفة الروم الأرثوذوكس في لبنان، احتجاجاً على الظلم اللاحق بأبناء الطائفة في وظائف الدولة. ودافع التحرّك الاحتجاج على قرار حكومي بتغيير محافظ بيروت الذي ينتمي إلى الطائفة، الأمر الذي اعتبر تعدّياً على حقوق الطائفة. وإذا بنا نشهد تجمعاً لشخصيات سياسية تحت عباءة بطريرك الروم الأرثوذكس، هدفه ظاهرياً الاحتجاج على الظلم والغبن، وضمنياً منع إبعاد موظف من بناء الطائفة عن منصبه. .. كيف يمكن أن ينسجم هذا مع الحديث عن الكفاءة وحدها في التعيينات؟ وأين ذلك من المطالبة بتحييد سلطة رجال الدين وعدم التدخل في الشؤون السياسية؟
وقد تكون الحالة الثالثة الأكثر بؤساً، بروز الخلاف من جديد بين بهاء الحريري وشقيقه سعد
الحريري على وراثة زعامة الطائفة السنية التي تبدو، بعد استقالة الأخير من رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة برئاسة حسان دياب برعاية حزب الله، كأنها خسرت موقعها داخل المنظومة السياسية اللبنانية المتهالكة. وبغض النظر عن حيثياته ودوافعه، صراع بهاء مع شقيقه هو أشبه بالصراعات التراجيدية في مسرحية شكسبير "هاملت"، لكن بصيغة محدثة. يحتج الشقيق الأكبر على وراثة شقيقه الأصغر سناً زعامة الطائفة السنية في لبنان، بعد اغتيال والدهما رفيق الحريري عام 2005، ويستغل ضعف المكانة السياسية لشقيقه، بعد استقالته من رئاسة الحكومة ونجاح حزب الله في تهميش دوره، ويريد اليوم أن يفرض نفسه وريثا محتملاً لزعامة الحركة الحريرية التي منيت بخسائر فادحة، ويكاد أتباعها أن يتحولوا إلى أيتام، ليس هناك من يقودهم.
هذه النزاعات بأبعادها الشخصية والطائفية الضيقة والمقيتة أكبر دليل على أنه لا أمل في المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان، فإذا كان لبنان يغرق وشعبه يجوع، ومع ذلك زعماؤه مشغولون بالدفاع عن مصلحة ضيقة هنا وهناك، كيف يمكن لهذه الطبقة أن تقرّر مصيرهم؟ وإذا كانت الدولة غير قادرة في وضع متهم واحد بالفساد في السجن، على الرغم من كثرة الملفات المفتوحة والتحقيقات، فهل ستتمكن من إصلاح وضع اقتصادي منهار بسبب الفساد والفاسدين الذين لا يستطيع أحد محاسبتهم؟
لبنان اليوم أمام مفترق طرق خطر كبير، لا ينحصر بالديْن العام وإفلاس الدولة وتوقف العمل في مجمل القطاعات، بسبب التعبئة العامة التي فرضتها كورونا، بل الخطورة الكبرى في الطاقم الحاكم نفسه الذي يبدو عاجزاً عن القيام بالمهمة المنوطة به. وفي هذا السياق، يتحمل العهد الراهن مسؤولية لا بأس بها عن توالد النزاعات والاشتباكات الداخلية بسبب سياسة الكيديات التي يمارسها "العهد" إزاء خصومه السياسيين من شتى الأفرقاء.
قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قبل أيام، إن بداية الخروج من الأزمة الاقتصادية ومحاربة التهريب إلى سورية الذي يستنزف لبنان المسكين هي من خلال تطبيع العلاقات مع سورية. كيف يمكن لبلد مثل سورية، منهك بحرب أهلية استنزفت كل طاقاته البشرية والمادية، ويعيش صراعاً على النفوذ بين إيران وروسيا، وغير قادر على تلبية احتياجات مواطنيه، ناهيك بخلافه المستعصي مع عدد من الأطراف اللبنانية، أن يشكل بداية حل للمعضلات اللبنانية المستعصية؟
الحالة الثانية، تحرّك نواب ووزراء، ينتمون إلى طائفة الروم الأرثوذوكس في لبنان، احتجاجاً على الظلم اللاحق بأبناء الطائفة في وظائف الدولة. ودافع التحرّك الاحتجاج على قرار حكومي بتغيير محافظ بيروت الذي ينتمي إلى الطائفة، الأمر الذي اعتبر تعدّياً على حقوق الطائفة. وإذا بنا نشهد تجمعاً لشخصيات سياسية تحت عباءة بطريرك الروم الأرثوذكس، هدفه ظاهرياً الاحتجاج على الظلم والغبن، وضمنياً منع إبعاد موظف من بناء الطائفة عن منصبه. .. كيف يمكن أن ينسجم هذا مع الحديث عن الكفاءة وحدها في التعيينات؟ وأين ذلك من المطالبة بتحييد سلطة رجال الدين وعدم التدخل في الشؤون السياسية؟
وقد تكون الحالة الثالثة الأكثر بؤساً، بروز الخلاف من جديد بين بهاء الحريري وشقيقه سعد
هذه النزاعات بأبعادها الشخصية والطائفية الضيقة والمقيتة أكبر دليل على أنه لا أمل في المنظومة السياسية الحاكمة في لبنان، فإذا كان لبنان يغرق وشعبه يجوع، ومع ذلك زعماؤه مشغولون بالدفاع عن مصلحة ضيقة هنا وهناك، كيف يمكن لهذه الطبقة أن تقرّر مصيرهم؟ وإذا كانت الدولة غير قادرة في وضع متهم واحد بالفساد في السجن، على الرغم من كثرة الملفات المفتوحة والتحقيقات، فهل ستتمكن من إصلاح وضع اقتصادي منهار بسبب الفساد والفاسدين الذين لا يستطيع أحد محاسبتهم؟
لبنان اليوم أمام مفترق طرق خطر كبير، لا ينحصر بالديْن العام وإفلاس الدولة وتوقف العمل في مجمل القطاعات، بسبب التعبئة العامة التي فرضتها كورونا، بل الخطورة الكبرى في الطاقم الحاكم نفسه الذي يبدو عاجزاً عن القيام بالمهمة المنوطة به. وفي هذا السياق، يتحمل العهد الراهن مسؤولية لا بأس بها عن توالد النزاعات والاشتباكات الداخلية بسبب سياسة الكيديات التي يمارسها "العهد" إزاء خصومه السياسيين من شتى الأفرقاء.
قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قبل أيام، إن بداية الخروج من الأزمة الاقتصادية ومحاربة التهريب إلى سورية الذي يستنزف لبنان المسكين هي من خلال تطبيع العلاقات مع سورية. كيف يمكن لبلد مثل سورية، منهك بحرب أهلية استنزفت كل طاقاته البشرية والمادية، ويعيش صراعاً على النفوذ بين إيران وروسيا، وغير قادر على تلبية احتياجات مواطنيه، ناهيك بخلافه المستعصي مع عدد من الأطراف اللبنانية، أن يشكل بداية حل للمعضلات اللبنانية المستعصية؟
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2024
06 أكتوبر 2024
21 سبتمبر 2024