تنقيب عن الآثار يقتل المصريين

07 نوفمبر 2019
النشاط في القرى أكبر (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
قبل أيام، لقي ثلاثة عمال بمحافظة الفيوم، جنوبي غرب القاهرة، مصرعهم، في أثناء قيامهم بالتنقيب عن الآثار. سبقت تلك الحادثة عشرات الحوادث، أملاً في الحصول على "كنز" ينتشلهم من حالة الفقر التي يعيشونها. انتشر نشاط التنقيب خلال الآونة الأخيرة، ليشمل عدداً من القرى والأحياء بمحافظات مصر. وأكدت مصادر أمنية مسؤولة بشرطة السياحة والآثار أنّ حالات الوفيات تحت الأنقاض نتيجة التنقيب عن الآثار وصلت إلى أكثر من 52 حالة منذ بداية العام الجاري 2019، ويتركز معظم الحالات في محافظات الصعيد، وأكثر من يقع ضحية هذا النشاط هم من الشبان العاطلين من العمل. كذلك، أكدت المصادر أنّ هناك مئات حالات التنقيب عن الآثار أسفل المنازل، وفي الأماكن التي تقع بمحيط المعابد والمتاحف المنتشرة في ربوع مصر تحدث يومياً.




كشفت تقارير أثرية تابعة للمجلس الأعلى للآثار في مصر أنّ هناك حالة من الهوس العام لدى الشعب، لا سيما الشبان، بحثاً عن أيّ قطعة ذات قيمة أثرية، يبيعونها لكي تنتشلهم من حال الفقر وما يرافقها من مشاكل اجتماعية، في ظل البطالة المنتشرة بين الخريجين، والضائقة التي يعيشها الملايين من الشعب المصري، خصوصاً في السنوات الأخيرة.

وكشف مصدر مسؤول في قطاع الآثار بمحافظة الأقصر، إحدى محافظات جنوب الصعيد، أنّ عشرات من الشبان يتوجهون يومياً بفؤوسهم، ليحفروا قبوراً خاصة بالفراعنة أو غيرهم، بحثاً عن كنوز ومقتنيات أثرية، حتى يتحقق مرادهم، مبيناً أنّ التنقيب عن الآثار في المنازل جديد، وقد ازداد بطريقة جنونية في مختلف محافظات الصعيد، لا سيما القرى، وربما تستمر عملية الحفر شهوراً وفي سرية تامة. يوضح أنّهم إن تمكنوا من حفر الشوارع لحفروها، مضيفاً أنّ التنقيب عن الآثار هو حديث الناس الرئيس في صعيد مصر، نظراً للظروف المعيشية: "يعتبر هؤلاء أنّ امتلاكهم قطعة أثرية سيسمح لهم بتوديع الفقر، كما أنّ أسعار المنازل في قرى الصعيد التي يشاع أنّ فيها آثاراً باتت تباع بمبالغ كبيرة".

يوضح المصدر الذي يعمل مفتشاً للآثار أنّ العاطلين من العمل يحفرون في أماكن مختلفة بمنازلهم، التي ربما تكون منازل قديمة، بزعم وجود آثار في باطن الأرض بناء على معلومات من شخصيات معينة، ويحفرون أمام ذلك لمسافات عميقة بطريقة عشوائية جداً وبطريقة غير علمية، لكونهم ليسوا على علم إن كان المكان الذي يحفرون فيه في باطنه آثار أم لا، مخاطرين بحياتهم التي تؤدي إلى وفاتهم في النهاية دفناً في الأرض، وأنهم يستخدمون آلات حفر متعددة، كالفأس والأحبال والسلالم، وأدوات نقل الأتربة والمخلفات الناتجة عن التنقيب، وبعض المواد التي يعتقد أنّها تساعد في فتح المقابر الفرعونية، إلى جانب دجالين، ومنهم من يقوم بصب حائط سند من الخرسانة على الجهات الأربع، حتى لا ينهار التراب على القائمين على الحفر ويلقوا مصرعهم في الحال.




يعتبر الدكتور أحمد الأنصاري، أستاذ الآثار والترميم، في جامعة "سوهاج"، أنّ قضية التنقيب عن الآثار داخل البلاد تنقسم إلى قسمين، أولهما حفر الخِلسة، ويكون أسفل المناطق الأثرية، ثم حفر أسفل المنازل، وهذا منتشر بين المواطنين، مبيناً أنّ الرغبة المتوحشة في تحقيق حلم الثراء لدى جموع كبيرة من الشعب المصري وراء انتشار عمليات التنقيب عن الآثار من أجل العثور على الكنوز الأثرية التي يمكن أن تباع مقابل ملايين الدولارات، غير عابئين بالمخاطر التي ستواجههم، سواء بالموت داخل الحفر نتيجة سقوطهم بها أو سقوطها عليها، أو بالقبض عليهم خلال عمليات التنقيب. يضيف الأنصاري أنّ هناك آثاراً كثيرة في باطن الأرض بقرى محافظات الصعيد، منها ما هو موجود على بعد أمتار بسيطة من وجه الأرض وأحياناً يجرى العثور عليه بالصدفة، وهناك ما هو موجود في باطن الأرض، وهو ما يمكن أن يؤدي البحث عنه إلى الموت بسبب الانهيار في أثناء الحفر على رؤوس الباحثين. يتابع الأنصاري أنّ التنقيب عن الآثار يجري في سرّية تامة، بعيداً عن أعين الأهالي الذين يبلغ بعضهم الجهات الأمنية. ويشير إلى أنّ عملية التنقيب كانت موجودة خلال السنوات الماضية، ومن يقوم بها مسؤولون ومقربون من النظام من دون رقابة أو مساءلة، إذ يحصل المنقّب على غطاء رسمي من خلال إذن تنقيب، فتذهب إلى مديرية الآثار حصة مما يتم العثور عليه.