يتزايد القلق يومياً بين المصريين خوفاً من صدور قرار مفاجئ من الحكومة برفع أسعار الوقود مجدداً خلال الفترة المقبلة، بعد بدء تطبيق منظومة البطاقات الذكية تجريبياً، وتأتي حالة القلق تلك رغم نفي عدد من المسؤولين المتكرر النية لأي زيادة جديدة.
وأكدت وزارة المالية المصرية، في دراسة سرية حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، أن تكلفة بيع لتر بنزين "92" بعد تعويم العملة المحلية ارتفعت إلى 10 جنيهات في ظل زيادة أسعار الدولار محلياً والنفط عالمياً، أي بلغت نحو 3 أضعاف السعر الحالي البالغ 3.5 جنيهات للتر.
وحسب الدراسة فإن أسعار النفط العالمية بدأت اتخاذ منحنى صعودي بعد اتفاق خفض الإنتاج الأخير بين الدول النفطية، مما يشكل خطراً على الموازنة الحالية للعام المالي الحالي 2016/ 2017.
وارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى أكثر من 55 دولاراً للبرميل خلال الفترة الأخيرة.
وقالت الدراسة إن "ارتفاع متوسط سعر برنت بنحو دولار يؤدى إلى ارتفاع قيمة دعم المواد البترولية بنحو 1.9 مليار جنيه (نحو 105 ملايين دولار)، وأن ارتفاع سعر الدولار عقب تعويم العملة أدى إلى زيادة دعم البنزين بشكل كبير إذ إن كل 10 قروش زيادة في سعر الصرف يؤدى إلى زيادة الدعم 800 مليون جنيه. وارتفع سعر الدولار من 8.88 جنيهات قبل التعويم بداية نوفمبر إلى أكثر من 18.5 جنيهاً حالياً في البنوك.
رفع جديد للأسعار
وحسب مصادر بوزارة المالية المصرية فقد اقترحت الدراسة حدوث تحريك جديد لأسعار الوقود خوفاً من ارتفاع معدل العجز.
وفي المقابل نفى مسؤولون حكوميون تلك الأنباء خوفاً من حدوث توترات شعبية في ظل أكبر موجه تضخمية تشهدها البلاد حالياً بسبب ارتفاع الدولار والوقود مما انعكس على أسعار غالبية السلع، إذ ارتفع معدل التضخم رسمياً إلى 24.3% خلال الشهر الماضي.
وأعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية، يوم 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عدم صحة الأنباء بشأن عزم الحكومة رفع أسعار الوقود بنسبة 150% خلال الفترة المقبلة.
وكانت الحكومة رفعت أسعار الوقود في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليصل سعر لتر البنزين 80 إلى 2.35 جنيه ولتر البنزين 92 إلى 3.5 جنيهات بينما ارتفع سعر السولار إلى 2.35 للتر بدلاً عن 1.6 جنيه، وجاء ذلك في إطار مساعي الحكومة للحصول على قرض صندوق النقد الدولي البالغ 12 مليار دولار والتي حصلت على الشريحة الأولى منه بقيمة 2.7 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، أكد مسؤول بارز بوزارة المالية لـ "العربي الجديد" أن زيادة الأسعار مجدّداً محل دراسة وإذا لم يتم توفير حل بديل لمواجهة زيادة دعم الوقود بالموازنة العامة وارتفاع العجز عن المتوقع سيكون قرار رفع أسعار الوقود خاصة البنزين وشيكاً.
وقال المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "نواصل دراساتنا ونتابع تطبيق منظومة الكروت الذكية التي بدأت مرحلتها الثانية، مطلع الشهر، وما سيكون انعكاسها على تنظيم استهلاك البنزين وضبط كميات التهريب وهي محدد مهم لقيمة الزيادة المقررة.
وأضاف: "الحكومة صارحت الشعب بأن الإصلاح مازال مليئاً بالخطوات المقبلة وأن الخطوة التالية ستشمل عدداً آخر من الإجراءات لضبط الإنفاق العام والسيطرة على معدلات العجز والدين العام المرتفعين.
وتابع المسؤول: إن هناك مقترحاً من وزارة البترول المصرية بتحديد الكميات للبنزين المدعم المخصص لكل مواطن بنحو 1600 لتر سنوياً بدلاً من زيادة الأسعار وهو اقتراح يتم دراسته حالياً وكيفية تطبيقه والأثر المالي له.
وأوضح أنه لا يرجح القيام بذلك خوفا من اتساع منظومة الفساد إلا أن جميع السيناريوهات مطروحة.
وأكد أن الدعم بالموازنة الحالية سيقارب 70 مليار جنيه " ما يعادل 3.6 مليار دولار" من 35 مليار جنيه المقررة حالياً وهي زيادة كبيرة، لذا نعمل على إعادة ترتيب اولويات الإنفاق في باب الدعم تجنبا للرجوع للبرلمان في تعديل الموازنة.
واستبعد المسؤول الانتظار حتى يوليو/تموز المقبل لاتخاذ قرار رفع الأسعار أو تحديد الكميات.
وقال إنه في حالة الاستقرار على تحريك الأسعار ستشمل للمرة الأولى بنزين 95 بعد ارتفاع تكلفته عن السعر العالمي حيث يباع بنحو 6 جنيهات مصرية للتر.
سائقو الأجرة
من جانب آخر، تخوّف سائقو سيارات الأجرة وأصحاب السيارات الملاكي من حدوث زيادات جديدة لأسعار الوقود بعد بدء الحكومة المصرية تطبيق منظومة البطاقات الذكية بشكل مفاجئ، يوم الأحد قبل الماضي، وفي الوقت نفسه أكدت الشعبة العامة للمواد البترولية باتحاد الغرف التجارية عدم جدوى البطاقات طالما لا تحدد كميات، كما أنها لن تمنع تسريب الوقود للسوق السوداء.
وكانت المرحلة الأولى من تطبيق المنظومة الجديدة قد تم تطبيقها خلال عام 2013، وهي المرحلة الخاصة بنقل المواد البترولية من المستودعات إلى محطات الوقود، فيما تختص المرحلة الثانية بتوزيع المواد البترولية من محطات الوقود وصولاً إلى المستهلكين.
وقال سائق تاكسي، أحمد عمار، لـ "العربي الجديد" إنه "فوجئ بتطبيق بطاقات الوقود بدون استعداد، ولم تتحدث الحكومة بشكل كاف عن الإجراءات والكميات وباقي التفاصيل".
وأوضح أن كل السائقين لا يجدون أي تطمينات من الحكومة بعدم حدوث زيادة جديدة للمواد البترولية بعد الانتهاء من عملية التطبيق.
ومن جانبه قال سائق ميكروباص، عماد الدوكش، لـ "العربي الجديد": "نحصل، حتى الآن، على الكميات التي نحتاجها من المحطات بدون عائق، لكن نتخوف من زيادة الأسعار أو تحديد الكميات بعد تطبيق نظام البطاقات الذكية".
وأضاف: "سائقو سيارات الأجرة يتذبذب استهلاكهم من الوقود وبالتالي تحديد الكميات سيكون ظلماً للسائقين، وسيخلق سوقاً سوداء للوقود، ما يدفع السائقين إلي رفع تعريفة الركوب مجدداً".
وأشار إلى أن أبرز المشكلات التي يتخوف حدوثها من منظومة البطاقات الذكية هو ضياعه أو تلفه بسبب الانشغال بمهام العمل اليومي، وتبادل السائقين لسيارة العمل".
وقال صاحب سيارة ملاكي، محمد شعبان، لـ "العربي الجديد": "قمت باستخراج البطاقة منذ عام 2013 ولم تستخدم نهائياً. اعتقدنا أن الحكومة تراجعت عن الفكرة خاصة بعد إعلان تحرير أسعار الوقود وزيادتها مرتين خلال عامين، وحالياً لا أعرف ما إذا كانت صلاحية البطاقة مستمرة ام سأضطر لتجديدها؟".
زيادة الكلفة على الصنّاع
عضو شعبة المحاجر والرخام والجرانيت باتحاد الصناعات، خالد الهندي، قال لـ "العربي الجديد" إن "المحاجر تعتمد على تشغيل الكسارات واللوادر في مناطق جبلية وعرة، ولا يمكن الاستغناء عن الوقود".
وأوضح أنه في حال تحديد الحكومة للكميات المخصصة للقطاع ستتضرر صناعة الرخام والجرانيت، لأن تكلفة التكسير والاستخراج والنقل تمثل أكثر من 65% من كلفة الإنتاج.
وفي نفس السياق، أكد رئيس شعبة المواد البترولية بالغرف التجارية، حسام عرفات، لـ "العربي الجديد" أن تطبيق المنظومة الجديدة بدون تحديد كميات لا جدوى اقتصادية منها وتعتبر تضييعاً للوقت ولن تمنع تجارة السوق السوداء.
وأضاف أن "تعميم الحكومة للبطاقات بشكل سريع يؤكد أنها سترفع أسعار البنزين والسولار مرة أخرى قبل منتصف العام الجاري، أو قبل الحصول على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي"، لافتاً إلى أن الحكومة مضطرة لتحديد الكميات قبل عملية الزيادة المرتقبة التي قد تكون الأخيرة قبل التحرير الكامل، وفقاً لخطة الدولة خلال 5 سنوات التي بدأت عام 2014.
وأشار إلى أن أي مواطن يستطيع الحصول على البنزين، سواء حامل البطاقة أم لا، لوجود بطاقة المحطة التي تعتبر باباً خلفياً للسرقة المقننة.
وأوضح عرفات، أنه تم إصدار 6.5 ملايين بطاقة من أصل 10 ملايين بطاقة، ومن المفترض استكمال استخراج باقي البطاقات خلال الـ6 أشهر المقبلة وهي الفترة المحددة للاستخدام التجريبي، خاصة أن هناك بعض الشرائح لم تستلم البطاقات منها مراكب الصيد وشركات المقاولات والآلات الزراعية والتوك توك الذي لم يستلم سائقوها سوى 50 ألف بطاقة فقط من إجمالي أكثر من مليوني توك توك.
وأضاف أن عدد المحطات التي بدأت تعمل فعلياً بالمنظومة الجديدة حوالي 2000 محطة من أصل 3800 محطة.