هذا العام، فرضت المدارس الخاصة شرطاً جديداً لقبول الأطفال. شرط يساهم في تكريس الفروقات الطبقية بين المصريين، وهو تمتع الآباء بمؤهلات عالية، أو تعلن رفض أبنائهم
في كلّ عام، ومع بدء التقديم لالتحاق الأطفال بالمدارس المصرية الحكومية أو القومية أو الخاصة أو الدولية، يواجه الأهالي معوّقات عدة، منها زيادة الأقساط، أو إجبار أطفال لم يتجاوزوا الرابعة من عمرهم على الخضوع لامتحانات شفوية وخطية لتحديد مستواهم الأكاديمي، وبالتالي حظوظهم في المدارس التي اختارها الأهل لهم.
هذا العام، لم تعد التفاصيل المادية مرهقة فحسب، بعدما اشترطت المدارس الخاصة والدولية ضرورة امتلاك الأهل مؤهلات جيدة، لقبول أطفالهم.
في مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، لم تتمكّن أميرة م. من تسجيل إبنها محمد (أربع سنوات) في مدرستين خاصتين، بسبب عدم حصول والده على مؤهل عال. تقول لـ "العربي الجديد": "تفاجأت بسبب رفض المدرستين تسجيله"، لافتة إلى أن الأولى إنكليزية إسلامية، والثانية تابعة للراهبات. ولأن زوجها لم يتمّ تعليمه الجامعي، ما يعني أن فرص إبنها محصورة فقط في المدارس الحكومية، على الرغم من ضعف مستواها الأكاديمي.
بعد خيبة الأمل التي شعرت بها أميرة، بسبب ما وصفته بالشروط "العنصرية" ضد الأطفال، الذين يحدّد مستقبلهم بحسب مؤهلات آبائهم، بدأت البحث عن حلول أخرى، وإن كانت غير قانونية. "عرفتُ أنه يمكن تجاوز الشروط الصعبة من خلال الرشى". تضيف أن "إحدى المدرستين اللتين رفضتا إبني، أخبرتني أنه في حال دفع مصاريف المدرسة للعام الدراسي كاملة، والتبرع بمبلغ مادي للمدرسة، يمكن التغاضي عن مؤهلات الأب".
من جهتها، تؤكّد شيماء محمد لـ "العربي الجديد" أن الكثير من مدارس المناطق الراقية في القاهرة تفرض شروطاً مجحفة تتعلق بقبول الأطفال في المدارس، بالإضافة إلى إخضاع الأطفال لمقابلات شخصية لتحديد مستواهم الأكاديمي، بعكس المناطق الفقيرة. تقول إنه "في منطقة فيصل في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، ليس هناك شرط لامتلاك الآباء مؤهلات عالية كشرط للقبول في المدارس الخاصة أو الأجنبية، ما يعني أن تلك الشروط ليست مقررة من قبل وزارة التربية والتعليم".
ويصف عدد من أولياء الأمور هذا الشرط بأنه بمثابة "تمييز"، ويساهم في "ترسيخ الفروق الطبقية بين شرائح المجتمع المصري". وأعربت أمهات عن غضبهن بسبب هذا الشرط، وذلك من خلال صفحة "مدارس وما يتعلق بتربية أطفالنا" على "فيسبوك". كتبت شيماء عبد الله: "أشعر بالضيق لأنني أريد تسجيل إبنتي في مدرسة دولية، لكن المشكلة تكمن في أن والدها يتمتع بمؤهل متوسط، علماً أنني حاصلة على شهادة ليسانس. هل يعرف أحد مدارس دولية تقبل بالتغاضي عن هذا الشرط؟".
اقــرأ أيضاً
في هذا الإطار، تواصلت "العربي الجديد" مع أحد أعضاء لجنة التعليم في البرلمان المصري، مؤكداً أن البرلمان لم يصله أي شكاوى أو طلبات لمناقشة هذه المشكلة. يضيف أن بحث هذه المشكلة وإيجاد حل لها يتطلب من أحد من أولياء الأمور التواصل مع عضو من مجلس النواب، وتقديم طلب إحاطة ومناقشة المشكلة في أقرب اجتماع للجنة.
وأضاف عضو البرلمان -الذي رفض ذكر اسمه- أنه "يمكن لأولياء الأمور الحضور مع ممثلين عن المدارس لمعرفة عمق المشكلة ومواجهتها".
من جهته، يقول الخبير التربوي علي اللبان، لـ "العربي الجديد"، إن حرمان بعض الأطفال من الالتحاق بالمدارس الخاصة بسبب ضعف مؤهلات آبائهم شرط مرفوض قانوناً وعرفاً. ويلفت إلى أن الهدف من تعليم الأطفال هو تغيير المستقبل وتنشئة أجيال جديدة على قيم العدل والحرية والمساواة، وليس تكريس الفروقات الطبقية. ويشدّد على ضرورة دعم الدولة لأبناء الحاصلين على مؤهّلات متوسطة، أو حتى الذين لم يتابعوا تعليمهم، باعتبار أن حرمان بعض الأطفال عمداً من الالتحاق ببعض المدارس يولد لديهم مشاعر الكراهية حيال زملائهم. لذلك، يفضل أن تشجع الدولة الآباء غير المتعلمين أو أصحاب المؤهلات الدنيا والمتوسطة على تعليم أبنائهم في المدارس التي يختارونها، بهدف دعم الأجيال الجديدة.
من الناحية القانونية، يقول المحامي والحقوقي محمود الشافعي إن شرط حصول الآباء على مؤهلات عالية لقبول أبنائهم في المدارس الخاصة والأجنبية مخالف لنصوص الدستور المصري، وبالتالي هو مرفوض كلياً. يضيف لـ "العربي الجديد" أن "المادة 53 من الدستور المصري تجرّم التمييز. وبما أن هذه المدارس موجودة على الأراضي المصرية، يفترض أن تلتزم بقوانينها ودستورها". يتابع أن "حق التعليم مكفول للجميع، ويحدده الدستور والقانون والمواثيق الدولية"، لافتاً إلى أن مخالفة تلك المدارس لنصوص الدستور تمنح أولياء الأمور الحق في رفع دعاوى ضد هذه المدارس في مجلس الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 53 من الدستور المصري تنص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. كذلك، تنص على أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز.
اقــرأ أيضاً
في كلّ عام، ومع بدء التقديم لالتحاق الأطفال بالمدارس المصرية الحكومية أو القومية أو الخاصة أو الدولية، يواجه الأهالي معوّقات عدة، منها زيادة الأقساط، أو إجبار أطفال لم يتجاوزوا الرابعة من عمرهم على الخضوع لامتحانات شفوية وخطية لتحديد مستواهم الأكاديمي، وبالتالي حظوظهم في المدارس التي اختارها الأهل لهم.
هذا العام، لم تعد التفاصيل المادية مرهقة فحسب، بعدما اشترطت المدارس الخاصة والدولية ضرورة امتلاك الأهل مؤهلات جيدة، لقبول أطفالهم.
في مدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، لم تتمكّن أميرة م. من تسجيل إبنها محمد (أربع سنوات) في مدرستين خاصتين، بسبب عدم حصول والده على مؤهل عال. تقول لـ "العربي الجديد": "تفاجأت بسبب رفض المدرستين تسجيله"، لافتة إلى أن الأولى إنكليزية إسلامية، والثانية تابعة للراهبات. ولأن زوجها لم يتمّ تعليمه الجامعي، ما يعني أن فرص إبنها محصورة فقط في المدارس الحكومية، على الرغم من ضعف مستواها الأكاديمي.
بعد خيبة الأمل التي شعرت بها أميرة، بسبب ما وصفته بالشروط "العنصرية" ضد الأطفال، الذين يحدّد مستقبلهم بحسب مؤهلات آبائهم، بدأت البحث عن حلول أخرى، وإن كانت غير قانونية. "عرفتُ أنه يمكن تجاوز الشروط الصعبة من خلال الرشى". تضيف أن "إحدى المدرستين اللتين رفضتا إبني، أخبرتني أنه في حال دفع مصاريف المدرسة للعام الدراسي كاملة، والتبرع بمبلغ مادي للمدرسة، يمكن التغاضي عن مؤهلات الأب".
من جهتها، تؤكّد شيماء محمد لـ "العربي الجديد" أن الكثير من مدارس المناطق الراقية في القاهرة تفرض شروطاً مجحفة تتعلق بقبول الأطفال في المدارس، بالإضافة إلى إخضاع الأطفال لمقابلات شخصية لتحديد مستواهم الأكاديمي، بعكس المناطق الفقيرة. تقول إنه "في منطقة فيصل في محافظة الجيزة (جنوب القاهرة)، ليس هناك شرط لامتلاك الآباء مؤهلات عالية كشرط للقبول في المدارس الخاصة أو الأجنبية، ما يعني أن تلك الشروط ليست مقررة من قبل وزارة التربية والتعليم".
ويصف عدد من أولياء الأمور هذا الشرط بأنه بمثابة "تمييز"، ويساهم في "ترسيخ الفروق الطبقية بين شرائح المجتمع المصري". وأعربت أمهات عن غضبهن بسبب هذا الشرط، وذلك من خلال صفحة "مدارس وما يتعلق بتربية أطفالنا" على "فيسبوك". كتبت شيماء عبد الله: "أشعر بالضيق لأنني أريد تسجيل إبنتي في مدرسة دولية، لكن المشكلة تكمن في أن والدها يتمتع بمؤهل متوسط، علماً أنني حاصلة على شهادة ليسانس. هل يعرف أحد مدارس دولية تقبل بالتغاضي عن هذا الشرط؟".
في هذا الإطار، تواصلت "العربي الجديد" مع أحد أعضاء لجنة التعليم في البرلمان المصري، مؤكداً أن البرلمان لم يصله أي شكاوى أو طلبات لمناقشة هذه المشكلة. يضيف أن بحث هذه المشكلة وإيجاد حل لها يتطلب من أحد من أولياء الأمور التواصل مع عضو من مجلس النواب، وتقديم طلب إحاطة ومناقشة المشكلة في أقرب اجتماع للجنة.
وأضاف عضو البرلمان -الذي رفض ذكر اسمه- أنه "يمكن لأولياء الأمور الحضور مع ممثلين عن المدارس لمعرفة عمق المشكلة ومواجهتها".
من جهته، يقول الخبير التربوي علي اللبان، لـ "العربي الجديد"، إن حرمان بعض الأطفال من الالتحاق بالمدارس الخاصة بسبب ضعف مؤهلات آبائهم شرط مرفوض قانوناً وعرفاً. ويلفت إلى أن الهدف من تعليم الأطفال هو تغيير المستقبل وتنشئة أجيال جديدة على قيم العدل والحرية والمساواة، وليس تكريس الفروقات الطبقية. ويشدّد على ضرورة دعم الدولة لأبناء الحاصلين على مؤهّلات متوسطة، أو حتى الذين لم يتابعوا تعليمهم، باعتبار أن حرمان بعض الأطفال عمداً من الالتحاق ببعض المدارس يولد لديهم مشاعر الكراهية حيال زملائهم. لذلك، يفضل أن تشجع الدولة الآباء غير المتعلمين أو أصحاب المؤهلات الدنيا والمتوسطة على تعليم أبنائهم في المدارس التي يختارونها، بهدف دعم الأجيال الجديدة.
من الناحية القانونية، يقول المحامي والحقوقي محمود الشافعي إن شرط حصول الآباء على مؤهلات عالية لقبول أبنائهم في المدارس الخاصة والأجنبية مخالف لنصوص الدستور المصري، وبالتالي هو مرفوض كلياً. يضيف لـ "العربي الجديد" أن "المادة 53 من الدستور المصري تجرّم التمييز. وبما أن هذه المدارس موجودة على الأراضي المصرية، يفترض أن تلتزم بقوانينها ودستورها". يتابع أن "حق التعليم مكفول للجميع، ويحدده الدستور والقانون والمواثيق الدولية"، لافتاً إلى أن مخالفة تلك المدارس لنصوص الدستور تمنح أولياء الأمور الحق في رفع دعاوى ضد هذه المدارس في مجلس الدولة.
تجدر الإشارة إلى أن المادة 53 من الدستور المصري تنص على أن المواطنين متساوون أمام القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر. كذلك، تنص على أن التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز.