مضى أكثر من عشر سنوات على إنشاء "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل" (BDS). ومن الممكن عدّ إنجازات الحركة الوفيرة، ونجاحها في الوصول إلى أهدافها القائمة على مفهوم صلب وعصري يقول بـ "مقاومةٍ مدنيةٍ عالميةٍ ضدّ إسرائيل عن طريق مقاطعتها وسحبِ الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها حتى تنصاع انصياعًا كاملاً إلى القانون الدولي والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وتحديدًا، حتى تُنهي أشكالَ اضطهادها الثلاثي لشعب فلسطين، عبر: إنهاء احتلالها واستعمارها لكلّ الأراضي العربية، وتفكيك الجدار. والاعتراف بالحقّ الأساسي في المساواة الكاملة لمواطنيها الفلسطينيين، وبحقوقهم الفردية والجماعية. والاعتراف بحقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم بحسب قرار الأمم المتحدة رقم 194". إن كل كلمة في هذا الجزء من النداء الذي أطلقته الحملة عام 2005، مدروسة وواضحة، وهي في قِرانها معًا تؤلف "رواية" إن جاز التعبير، لوصف "التمييز العنصري" - على أقل تقدير - الذي يتعرض له الفلسطينيون في فلسطين التاريخية كلها، كما في الشتات، أفرادًا ومجموعات.
تستعمل الحركة مصطلح "التمييز العنصري" في بياناتها وأدبياتها، فهو مصطلح تشفّ من تحته كلمات ومفاهيم ومصطلحات أخرى، تعبّر بمجموعها عن وجود ضحية وجلاد، وهذه نقطة جوهرية في نضال الفلسطينيين ضد إسرائيل.
اقــرأ أيضاً
ردّت إسرائيل بكل قوتها على الحركة، بل إنها عمدت إلى حشد مضاد تحت عنوان "Brand Israel"، بغية اختلاق صورة لإسرائيل مضادة لصورتها لواقعية التي تجمع الاحتلال والاستعمار والاستيطان معًا. وقد كرّست وزارة الخارجية الإسرائيلية نفسها عبر "Brand Israel" وغيرها من البرامج ضدّ حركة المقاطعة وإذ لم تنجح - فقد كان الوزير وقتها، اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان - عادت إسرائيل وأوكلت المهمة لوزارة الشؤون الاستراتيجية.
لم توفر إسرائيل أية وسيلة ولا أية مناسبة للتصدي لحركة المقاطعة، ولم تعدم بالطبع "أصدقاء ومريدين" في العالم كلّه، يقفون إلى جانبها ويدافعون عنها، لعل من آخرهم حاكم ولاية نيويورك أندرو كوومو، الذي وقع قرارًا إداريًا يقضي بمحاربة حركة المقاطعة، ولم يتردد بالتصريح: "إذا قاطعتَ إسرائيل، فإن نيويورك ستقاطعك". وبالطبع فإن المقصود هنا المقاطعة الاقتصادية والمالية، نظرًا إلى الأثر البالغ الذي أحدثته إنجازات الـ "BDS" في هذا الصدد. ولعلّ فكرة العقوبات الاقتصادية هذه التي ابتكرها حاكم ولاية نيويورك، لم تكن إلا استنساخًا عن قرار وزيرة الثقافة الإسرائيلية، الليكودية ميري ريغيف، القائلة بوضع معايير جديدة تقتطع بموجبها نسبة 33 بالمائة من ميزانية المؤسسات الثقافية الإسرائيلية التي ترفض إقامة نشاطات في مستوطنات الضفة الغربية والنقب والجليل، فيما تزيد بـ 10 بالمائة ميزانيات المؤسسات التي تفعل.
اقــرأ أيضاً
للوهلة الأولى، يبدو قرار وزيرة الثقافة "غريبًا"، إلا أن التدقيق في إنجازات حركة المقاطعة، يكشف أن الراغبين بمقاطعة إسرائيل، قد يكونون من الإسرائيليين أنفسهم. هذا على الأقل ما يمكن استنتاجه من طلب الفنان الإسرائيلي داني كارافان، إزالة الجدارية التي نفذها على جدار الكنيست أو تغطيتها، احتجاجًا منه على قرار الوزيرة.
وعند التدقيق في كل إنجاز وحشد لحركة المقاطعة، وما يقابله من ردّ إسرائيلي وعالمي، تبرز "معركة" من نوع آخر. هي معركة المصطلحات فمقابل مصطلحات مثل التمييز العنصري والمقاطعة وحرية التعبير، نجد مصطلح اللاسامية وتشجيع العنف. وبقدر قوّة إنجاز حركة المقاطعة، المستند بصورة رئيسة إلى القانون الدولي، فإن إسرائيل تعمد إلى الاستفادة من القانون أيضًا (كما صرحت في استراتيجيات حملتها ضد الـ "BDS") كما حدث مثلًا في فرنسا حيث أصدرت محكمة النقض الفرنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، حكمًا بعدم شرعية ما تدعو له حركة المقاطعة. "الأجواء القانونية" الفرنسية التي تجرم اللاسامية (وتغض النظر عن الإسلاموفوبيا).
اقــرأ أيضاً
تحشد إسرائيل أجهزتها ومؤسساتها كلّها، وأصدقاءها (العلنيين والسريين) الكثر في العالم، وترد على حركة المقاطعة بـ اللاسامية، مصطلحها الأثير. فيبدو المشهد كعمل عالمي منظم ممنهج ضد "BDS"، لا مجال فيه لأي انحراف عن هدف الهجوم المركز على حركة المقاطعة والتخلص منها. وضمن هذا الإطار عملت أيضًا القناة الإسرائيلية i24، الدائرة طبعًا في فلك "Brand Israel"، فقد كرست في موقعها الإلكتروني مقالًا للتعليق على ما أثاره ظهور أمين معلوف من ردود فعل عربية، في أحد برامجها. تقصّد المقال المذكور إغفال الجنسية الفرنسية لمعلوف، وقدّمه كاتبًا وصحافيًا لبنانيًا فقط، والأنكى أن القناة الإسرائيلية صارت قناة دولية. وتقصد أيضًا اختيار بيان "حملة قاطع – اللجنة اللبنانية للمقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل، وهي تابعة لحملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان، المختلفة قطعًا عن الـ "BDS". تلك "الهمروجة" التي صارت في "مسرح المدينة" في بيروت، أسعدت على ما يبدو القناة الإسرائيلية i24، فاستفادت منها للإساءة للـ"BDS".
لم توفر إسرائيل أية وسيلة ولا أية مناسبة للتصدي لحركة المقاطعة، ولم تعدم بالطبع "أصدقاء ومريدين" في العالم كلّه، يقفون إلى جانبها ويدافعون عنها، لعل من آخرهم حاكم ولاية نيويورك أندرو كوومو، الذي وقع قرارًا إداريًا يقضي بمحاربة حركة المقاطعة، ولم يتردد بالتصريح: "إذا قاطعتَ إسرائيل، فإن نيويورك ستقاطعك". وبالطبع فإن المقصود هنا المقاطعة الاقتصادية والمالية، نظرًا إلى الأثر البالغ الذي أحدثته إنجازات الـ "BDS" في هذا الصدد. ولعلّ فكرة العقوبات الاقتصادية هذه التي ابتكرها حاكم ولاية نيويورك، لم تكن إلا استنساخًا عن قرار وزيرة الثقافة الإسرائيلية، الليكودية ميري ريغيف، القائلة بوضع معايير جديدة تقتطع بموجبها نسبة 33 بالمائة من ميزانية المؤسسات الثقافية الإسرائيلية التي ترفض إقامة نشاطات في مستوطنات الضفة الغربية والنقب والجليل، فيما تزيد بـ 10 بالمائة ميزانيات المؤسسات التي تفعل.
وعند التدقيق في كل إنجاز وحشد لحركة المقاطعة، وما يقابله من ردّ إسرائيلي وعالمي، تبرز "معركة" من نوع آخر. هي معركة المصطلحات فمقابل مصطلحات مثل التمييز العنصري والمقاطعة وحرية التعبير، نجد مصطلح اللاسامية وتشجيع العنف. وبقدر قوّة إنجاز حركة المقاطعة، المستند بصورة رئيسة إلى القانون الدولي، فإن إسرائيل تعمد إلى الاستفادة من القانون أيضًا (كما صرحت في استراتيجيات حملتها ضد الـ "BDS") كما حدث مثلًا في فرنسا حيث أصدرت محكمة النقض الفرنسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، حكمًا بعدم شرعية ما تدعو له حركة المقاطعة. "الأجواء القانونية" الفرنسية التي تجرم اللاسامية (وتغض النظر عن الإسلاموفوبيا).